وأما عن تركهم رأي القائلين بالتفويض المطلف والاختيار المطلق فلأنه يجعل المرء في أفعاله وأقواله مستقلا عن إرادة الله وقدرته ، فهو ـ في نظرهم ـ رأي المفوضين والقدريين الذين يقولون إ، الانسان يخلق أفعال نفسه ، دون تدخل لقدرة الله في هذا الفعل. وقد أورد بعض نقاد العقائد أحاديث في ذمهم ،منها قوله عليه السلام : «القدرية مجوس هذه الأمة».
ومن هنا نعلم أن خطأ الجبريين ينصب في يفي صفة العدل عن الباري سبحانه الأنه يحاسب الانسان على أفعال هو موجدها فيه دون تدخل للمخلوق في ذلك. أما خطا القدريين فينصب في نفي قدرة الله وسلطانه على مخلوقاته ، وكلاهما متطرف بعيد عن الحقيقة كل البعد.
فإذا كان الامامية يقولون بمقالة الامام جعفر الصادق رضى الله عنه : «لاجبر ولا تفويض ولكن أمرا بين أمرين» فأنهم يتفقون مع اخوانهم أعلام السنة كل الاتفاق ، ذلك أن أهل السنة يقولون بمثل مقالتهم ، ويصرحون بأن للانسان جزءاً اختيارياً ، فهو ليس بالجبر المحض ولا بالخالق لأفعال نفسه , وأشهر القائلين بهذه المقالة الامام أبو الحسن الأشعري وقد حاول الامام فخر الدين الرازي ان يفسف التوفيق بين مذهب الجبر ومذهب التفويض حتى أثر عنه أنه كان يقول : «الانسان مجير باطناً مخير ظاهراً». وهذه مقالة دقيقة لا تخفى على الراسخين في العلم والعارفين بتفاصيل العقائد الاسلامية.
وهناك صورة خامسة نختم بها حديثنا في هذه المقدمة ، هي قول الامامية في «البدء» ومعناه الظاهر فعل الشىء ثم محوه ، وقد قال