من أمعن النظر فيها :
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت |
|
له عن عدو في ثياب صديق |
وعن قتادة هي متاع متروك أو شكت والله أن تضمحل عن أهلها فخذوا من هذا المتاع طاعة الله تعالى إن استطعتم ولا قوة إلا بالله ، وعن علي كرم الله تعالى وجهه هي لين مسها قاتل سمها ، وقيل : الدنيا ظاهرها مظنة السرور وباطنها مطية الشرور ، وذكر بعضهم أن هذا التشبيه بالنسبة لمن آثرها على الآخرة ، وأما من طلب بها الآخرة فهي له متاع بلاغ ، وفي الخبر «نعم المال الصالح للرجل الصالح» ، والغرور مصدر أو جمع غار (لَتُبْلَوُنَ) جواب قسم محذوف أي والله لتختبرن ، والمراد لتعاملن معاملة المختبر ليظهر ما عندكم من الثبات على الحق والأفعال الحسنة ولا يصح حمل الابتلاء على حقيقته لأنه محال على علام الغيوب كما مر ، والخطاب للمؤمنين أو لهم معه صلىاللهعليهوسلم ، وإنما أخبرهم سبحانه بما سيقع ليوطنوا أنفسهم على احتماله عند وقوعه ويستعدوا للقائه ويقابلوه بحسن الصبر والثبات فإن هجوم البلاء مما يزيد في اللأواء ، والاستعداد للكرب مما يهون الخطب ولتحقيق معنى الابتلاء لهذا التهوين أتى بالتأكيد ، وقد يقال : أتي به لتحقيق وقوع المبتلى به مبالغة في الحث على ما أريد منهم من التهيؤ والاستعداد ، وعلى أي وجه فالجملة مسوقة لتسلية أولياء الله تعالى عما سيلقونه من جهة أعدائه سبحانه إثر تسليتهم عما وقع منهم ، وقيل : إنما سيقت لبيان أن الدنيا دار محنة وابتلاء ، وإنها إنما زويت عن المؤمنين ليصبروا فيؤجروا إثر بيان أنها (مَتاعُ الْغُرُورِ) ، ولعل الأول أولى كما لا يخفى ، والواو المضمومة ضمير الرفع ولام الكلمة محذوفة لعلة تصريفية ، وإنما حركت هذه الواو دفعا للثقل الحاصل من التقاء الساكنين وكان ذلك بالضم ليدل على المحذوف في الجملة ولم تقلب الواو ألفا مع تحركها وانفتاح ما قبلها لعروض ذلك (فِي أَمْوالِكُمْ) بالفرائض فيها والجوائح ، واقتصر بعض على الثاني مدعيا أن الأول الممثل في كلامهم بالإنفاق المأمور به في سبيل الله تعالى ، والزكاة لا يليق نظمه في سلك الابتلاء لما أنه من باب الأضعاف لا من قبيل الإتلاف ، وفيه نظر تقدم في البقرة الإشارة إليه ، وعن الحسن الاقتصار على الأول. والأولى القول بالعموم وفي (أَنْفُسِكُمْ) بالقتل والجراح ، والأسر والأمراض وفقد الأقارب وسائر ما يرد عليها من أصناف المتاعب والمخاوف والشدائد ، وقدم الأموال على الأنفس للترقي إلى الأشرف. أو لأن الرزايا في الأموال أكثر من الرزايا في الأنفس (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) أي من قبل إيتائكم القرآن وهم اليهود والنصارى. والتعبير عنهم بذلك إما للإشعار بمدار الشقاق والإيذان بأن ما يسمعونه منهم مستند على زعمهم إلى الكتاب. وإما للإشارة إلى عظم صدور ذلك المسموع منهم. وشدة وقعه على الأسماع حيث إنه كلام صدر ممن لا يتوقع صدوره منه لوجود زاجر عنه معه. وهو إيتاؤه الكتاب كما قيل : والتصريح بالقليلة إما لتأكيد الإشعار وتقوية المدار وإما للمبالغة في أمر الزاجر عن صدور ذلك المسموع من أولئك المسمعين (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) وهم كفار العرب (أَذىً كَثِيراً) كالطعن في الدين وتخطئة من آمن والافتراء على الله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم والتشبيب بنساء المؤمنين (وَإِنْ تَصْبِرُوا) على تلك الشدائد عند ورودها (وَتَتَّقُوا) أي تتمسكوا بتقوى الله تعالى وطاعته والتبتل إليه بالكلية والإعراض عما سواه بالمرة بحيث يستوي عندكم وصول المحبوب ولقاء المكروه (فَإِنَّ ذلِكَ) إشارة إلى المذكور ضمنا من الصبر والتقوى. وما فيه من معنى البعد إما لكونه غير مذكور صريحا على ما قيل ، أو للإيذان بعلو درجة هذين الأمرين وبعد منزلتهما.
وتوحيد حرف الخطاب إما باعتبار كل واحد من المخاطبين اعتناء بشأن المخاطب به ، وإما لأن المراد بالخطاب مجرد التنبيه من غير خصوصية أحوال المخاطبين (مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) أي الأمور التي ينبغي أن يعزمها كل