رسول الله صلىاللهعليهوسلم أي ولو أنهم مع صدور ما صدر منهم من فنون الجنايات قولا وفعلا (آمَنُوا) بما نفي عنهم الإيمان ، فيندرج فيه فرض إيمانهم برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وحذف المتعلق ثقة بظهوره مما سبق من قوله تعالى : (هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ) [المائدة : ٥٩] إلخ ، وما لحق من قوله سبحانه : (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ) إلخ.
وتخصيص المفعول بالإيمان به عليه الصلاة والسلام يأباه ـ كما قال شيخ الإسلام ـ المقام لأن ما ذكر فيما سبق وما لحق من كفرهم به عليه الصلاة والسلام إنما ذكر مشفوعا بكفرهم بكتابهم أيضا قصدا إلى الإلزام والتبكيت ببيان أن الكفر به صلىاللهعليهوسلم مستلزم للكفر بكتابهم ، فحمل الإيمان هاهنا على الإيمان به عليه الصلاة والسلام مخل بتجاوب النظم الكريم ، وقدر قتادة فيما أخرجه عنه ابن حميد وغيره ، المتعلق بما أنزل الله ، وهو ميل إلى التعميم ، وكذا عمم في قوله تعالى : (وَاتَّقَوْا) فقال : أي ما حرم الله تعالى.
وقال شيخ الإسلام : ما عددنا من معاصيهم التي من جملتها مخالفة كتابهم (لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) التي اقترفوها وسارعوا فيها وإن كانت في غاية العظمة ، ولم نؤاخذهم بها ، وجمعها جمع قلة إما باعتبار الأنواع وإما باعتبار أنها وإن كثرت قليلة بالنسبة إلى كرم الله تعالى ، وقد أشرنا فيما تقدم أن جمع القلة قد يقوم مقام جمع الكثرة إذا اقتضاه المقام (وَلَأَدْخَلْناهُمْ) مع ذلك (جَنَّاتِ النَّعِيمِ) ، وجعل أبو حيان تكفير السيئات في مقابلة الإيمان ، وإدخال جنات النعيم في مقابلة التقوى ، وفسرها بامتثال الأوامر واجتناب النواهي ، فالآية من باب التوزيع ، والظاهر عدمه ، وتكرير اللام لتأكيد الوعد ، وفيه تنبيه على كمال عظم ذنوبهم وكثرة معاصيهم ، وأن الإسلام يجب ما قبله وإن جل وجاوز الحد ، وفي إضافة الجنات إلى النعيم تنبيه على ما يستحقونه من العذاب لو لم يؤمنوا ويتقوا.
وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن مالك بن دينار أنه قال : (جَنَّاتِ النَّعِيمِ) بين جنات الفردوس وجنات عدن ، وفيها جوار خلقن من ورد الجنة ، قيل : فمن يسكنها؟ قال : الذين هموا بالمعاصي فلما ذكروا عظمة الله تعالى شأنه راقبوه ، ولا يخفى أن مثل هذا لا يقال من قبل الرأي ، والذي يقتضيه الظاهر أن يقال لسائر الجنات : (جَنَّاتِ النَّعِيمِ) وإن اختلفت مراتب النعيم فيها (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) أي وفوا حقهما بمراعاة ما فيهما من الأحكام التي من جملتها شواهد نبوته صلىاللهعليهوسلم ومبشرات بعثته ، وليس المراد مراعاة جميع ما فيها من الأحكام منسوخة كانت أو غيرها ، فإن ذلك ليس من الإقامة في شيء (وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ) من القرآن المجيد المصدق لما بين يديه ـ كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ـ واختاره الجبائي وغيره ، وقيل : المراد بالموصول كتب أنبياء بني إسرائيل ـ ككتاب شعيا وكتاب حزقيل وكتاب حبقوق وكتاب دانيال ـ فإنها مملوءة بالبشائر بمبعثه صلىاللهعليهوسلم ، واختاره أبو حيان ، ويجوز أن يراد به ما يعم ذلك والقرآن العظيم ، وإنزال الكتاب إلى أحد مجرد وصوله إليه ، وإيجاب العمل به وإن لم يكن الوحي نازلا عليه ، والتعبير عن القرآن بذلك العنوان للإيذان بوجوب إقامته عليهم لنزوله إليهم وللتصريح ببطلان ما كانوا يدعونه من عدم نزوله إلى بني إسرائيل ، وتقديم (إِلَيْهِمْ) لما مر آنفا ، وفي إضافة الرب إلى ضميرهم مزيد لطف بهم في الدعوة إلى الإقامة.
(لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) أي لأعطتهم السماء مطرها وبركتها والأرض نباتها وخيرها : كما قال سبحانه : (لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) [الأعراف : ٩٦] قاله ابن عباس وقتادة ومجاهد ، وقيل : المراد لانتفعوا بكثرة ثمار الأشجار وغلال الزروع ، وقيل : بما يهدل من الثمار من رءوس الأشجار وما يتساقط منها على الأرض ، وقيل : بما يأتيهم من كبرائهم وملوكهم وما يعطيه لهم سفلتهم وعوامهم ، وقيل : المراد المبالغة في شرح السعة والخصب لا تعيين الجهتين كأنه قيل : لأكلوا من كل جهة ، وجعله الطبرسي نظير قولك : فلان في الخير من