منع هذا الوجه بأنه يلزم عليه توارد عاملين على معمول واحد ، ومثله لا يصح على الأصح خلافا للكوفيين ، وبقول بشر بن أبي حازم :
إذا جزت نواصي آل بدر |
|
فأدوها وأسرى في الوثاق |
وإلا فاعلموا أنا وأنتم |
|
بغاة ما بقينا في شقاق |
فإن قوله : «بغاة ما بقينا» خبر إن ولو كان خبر ـ أنتم ـ لقال : ما بقيتم ، و ـ بغاة ـ جمع باغ بمعنى طالب ، وقيل : إنه جمع باغي من البغي والتعدي ـ وأنتم بغاة ـ جملة معترضة لأنه لا يقول في قومه إنهم بغاة. و ـ ما بقينا في شقاق ـ خبر إن ، وحينئذ لا يصلح البيت شاهدا لما ذكر لأن ضمير المتكلم مع الغير في محله ، وإنما وسطت الجملة هنا بين إن وخبرها مع اعتبار نية التأخير ليسلم الكلام عن الفصل بين الاسم والخبر ، وليعلم أن الخبر ما ذا دلالة ـ كما قيل ـ على أن الصابئين ـ مع ظهور ضلالهم وزيغهم عن الأديان كلها حيث قبلت توبتهم ـ إن صح منهم الإيمان والعمل الصالح فغيرهم أولى بذلك ، ومن هنا قيل : إن الجملة كاعتراض دل به على ما ذكر ، وإنما لم تجعل اعتراضا حقيقة لأنها معطوفة على جملة (إِنَّ الَّذِينَ) وخبرها ، وأورد عليه ما قاله ابن هشام : من أن فيه تقديم الجملة المعطوفة على بعض الجملة المعطوفة عليها ، وإنما يتقدم المعطوف على المعطوف عليه في الشعر ، فكذا ينبغي أن يكون تقديمه على بعض المعطوف عليه بل هو أولى منه بالمنع ، وأما ما أجاب به عنه بأن الواو واو الاستئناف التي تدخل على الجمل المعترضة ، كقوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ) [البقرة : ٢٤] إلخ ، وهذه الجملة معترضة لا معطوفة ، فلا يتمشى فيما نحن فيه لأنه يفوت نكتة التقديم من تأخير التي أشير إليها لأنها إذا كانت معترضة لا تكون مقدمة من تأخير ، وبعض المحققين صرف الخبر المذكور إلى قوله تعالى : (وَالصَّابِئُونَ) وجعل خبر إن محذوفا ، وهو القول الآخر للنحاة في مثل هذا التركيب ، وهو موافق للاستعمال أيضا كما في قوله :
نحن بما عندنا وأنت بما |
|
عندك راض والرأي مختلف |
فإن قوله ـ راض ـ خبر ـ أنت ـ وخبر ـ نحن ـ محذوف ، ورجح بأن الإلحاق بالأقرب أقرب ، وبأنه خال عما يلزم على التوجيه الأول ، نعم غاية ما يرد عليه أن الأكثر الحذف من الثاني لدلالة الأول ، وعكسه قليل لكنه جائز ، وعورض بأن الكلام فيما نحن فيه مسوق لبيان حال أهل الكتاب ، فصرف الخبر إليهم أولى ، وفي توسيط بيان حال الصابئين ما علمت من التأكيد ، وأيضا في صرف الخبر إلى الثاني فصل للنصارى عن اليهود وتفرقة بين أهل الكتاب لأنه حينئذ عطف على قوله سبحانه : (وَالصَّابِئُونَ) قطعا ، نعم لو صح أن المنافقين واليهود أوغل المعدودين في الضلال ، والصابئين والنصارى أسهل حسن تعاطفهما وجعل المذكور خبرا عنهما ، وترك كلمة التحقيق المذكورة في الأولين دليلا على هذا المعنى ، وقيل : إن (الصَّابِئُونَ) عطف على محل (إِنَ) واسمها ، وقد أجازه بعضهم مطلقا ، وبعضهم منعه مطلقا ، وفصل آخرون فقالوا : يمتنع قبل مضي الخبر ويجوز بعده.
وذهب الفراء إلى أنه إن خفي إعراب الاسم جاز لزوال الكراهة اللفظية نحو : إنك وزيد ذاهبان ، وإلا امتنع ، والمانع عند الجمهور لزوم توارد عاملين ، وهما (إِنَ) والابتداء أو المبتدأ على معمول واحد وهو الخبر ، ولهذا ضعفوا هذا القول في الآي وبنوا على مذهب الكوفيين ، وكون خبر المعطوف فيها محذوفا ـ وحينئذ لا يلزم التوارد ـ ليس بشيء لأن الجملة حينئذ تكون معطوفة على الجملة ، ولم يكن ذلك من العطف على المحل في شيء ، ومن قال : إن خبر (إِنَ) مرفوع بما كان مرفوعا به قبل دخولها لم يلزم عليه حديث التوارد.
ونقل عن الكسائي إن العطف على الضمير في (هادُوا) وخطأه الزجاج بأنه لا يعطف على الضمير المرفوع