سائر أهل الباطل كاليهود والنصارى لذلك بل لو قيل بسنيته لهذا الغرض لم يبعد لكن أنت تعلم أن السلف الصالح لم يحوموا حول شيء منه بسوى ذمه وذم أهله ولم يتطلبوا كتابا من كتبه لينظروا فيه على أي وجه كان النظر ؛ ونسبة خلاف ذلك إلى أحد منهم لا تصح فالحزم اتباعهم في ذلك وسلوك مسلكهم فهو لعمري أقوم المسالك ، وهذا واعترض القول باطلاعه صلىاللهعليهوسلم على ما ذكر من شأن الأجرام العلوية بأن فيه فتح باب الشبهة في كون اخباره صلىاللهعليهوسلم بالغيوب من الوحي لجواز أن تكون من أحكام النجوم على ذلك القول. وأجيب بأن الشبهة إنما تتأتى لو ثبت أنه عليه الصلاة والسلام رصد ولو مرة كوكبا من الكواكب وحقق منزلته وأخبر بغيب إذ مجرد العلم بأن لكوكب كذا حكم كذا إذا حل بمنزلة كذا لا يقيد بدون معرفة أنه حل في تلك المنزلة فحيث لم يثبت أنه صلىاللهعليهوسلم فعل ذلك لا يفتح باب الشبهة وفيه بحث ظاهر ، وبأن علمه صلىاللهعليهوسلم بما تدل عليه الأوضاع عند القائلين به ليس إلا عن وحي فغاية ما يلزم على تلك الشبهة أن يكون خبره بالغيب بواسطة علم أحكام النجوم الذي علمه بالوحي وأي خلل يحصل من هذا في نبوته عليه الصلاة والسلام بل هذه الشبهة تستدعي كونه نبيا كما أن عدمها كذلك.
وتعقب بأنه متى سلم أن للأوضاع الفلكية دلالة على أمور الغيبية وأنه صلىاللهعليهوسلم يعلم ما تدل عليه يقع الاشتباه بينه وبين غيره من علماء ذلك العلم المخبرين بالغيب إذا وقع كما أخبروا والتفرقة بأنه عليه الصلاة والسلام قد أوحى إليه بذلك دون الغير فرع كونه نبيا وهو أول المسألة ، واختير في الجواب أن يقال : إن إخبارهصلىاللهعليهوسلم بالغيب إن كان بعد ثبوت نبوته بمعجز غير ذلك لا تتأتى الشبهة إن أفهم أن خبره بواسطة الوحي ولا تضر إن لم يفهم إذ غاية ما في الباب أنه نبي لظهور المعجز على يده قبل أن أخبر بغيب بواسطة وضع فلكي وشاركه غيره في ذلك ، وإن كان قبل ثبوت نبوته بمعجز غيره بأن كان التحدي بذلك الخبر ووقوع ما أخبر به فالذي يدفع الشبهة حينئذ عدم القدرة على المعارضة فلا يستطيع منجم أن يخبر صادقا بمثل ذلك بمقتضى علمه بالأوضاع ومقتضياتها فتدبر ، ثم الظاهر على ما ذكره الشيخ الأكبر قدسسره في النقباء والنجباء أن لكل من الأنبياءعليهمالسلام اطلاعا على ذلك إذ رتبة النبي فوق رتبة الولي وعلمه فوق علمه إذ هو الركن الأعظم في الفضل.
ولا حجة في قصة موسى والخضر عليهماالسلام على خلافه ، أما على القول بنبوة الخضر عليهالسلام فظاهر وكذا على القول بولايته وأنه فعل ما فعل عن أمر الله تعالى بواسطة نبي ، وأما على القول بولايته وأنه فعل ذلك لعلم أوتيه بلا واسطة نبي فلأنه لا يدل إلا على فقدان موسى عليهالسلام العلم بتلك الأمور الثلاثة وعلم الخضر بها ولا يلزم من ذلك أن يكون الخضر أعلم منه مطلقا وهو ظاهر ، وعلى هذا جوز إبقاء الآية على ظاهرها فيكون إبراهيم عليهالسلام قد نظر في النجوم حسبما علمه الله تعالى من أحوال الملكوت الأعلى واستدل على أنه سيسقم بما استدل ، ولعل نظره كان في طالع الوقت أو نحوه أو طالع ولادته أو طالع سقوط النطفة التي خلق منها والعلم به بالوحي أو بواسطة العلم بطالع الولادة ؛ والاعتراض على ذلك بأنه يلزم عليه تقويته عليهالسلام ما هم عليه من الباطل في أمر النجوم وارد أيضا على حمل ما في الآية على التعريض والجواب هو الجواب ، هذا وإذا أحطت خبرا بجميع ما ذكرت لك في هذا المقام فأحسن التأمل فيما تضمنه من النقض والإبرام وقد جمعت لك ما لم أعلم أنه جمع في تفسير ولا أبرئ نفسي عن الخطأ والسهو والتقصير والله سبحانه ولي التوفيق وبيده عزوجل أزمة التحقيق ، وقوله تعالى (فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ) تفريع على قوله عليهالسلام (إِنِّي سَقِيمٌ) أي أعرضوا وتركوا قربه ، والمراد أنهم ذهبوا إلى معيدهم وتركوه ، و (مُدْبِرِينَ) إما حال مؤكدة أو حال مقيدة بناء على أن المراد بسقيم مطعون أو أنهم توهموا مرضا له عدوى مرض الطاعون أو غيره فإن المرض الذي له عدوى بزعم الأطباء لا يختص بمرض الطاعون فكأنه قيل : فأعرضوا