إني وقتلي سليكا ثم أعقله
ولا يخفى وجه ضعفه هنا (إِنَّ فِي ذلِكَ) إشارة إلى ما ذكر تفصيلا ، وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلته في الغرابة والدلالة على ما قصد بيانه (لَذِكْرى) لتذكيرا عظيما (لِأُولِي الْأَلْبابِ) لأصحاب العقول الخالصة عن شوائب الخلل وتنبيها لهم على حقيقة الحال يتذكرون بذلك حال الحياة الدنيا وسرعة تقضيها فلا يغترون ببهجتها ولا يفتنون بفتنتها أو يجزمون بأن من قدر على إنزال الماء من السماء والتصرف به على أتم وجه قادر على إجراء الأنهار من تحت تلك الغرف ، وكأن الأول أولى ليكون ما تقدم ترغيبا في الآخرة وهذا تنفيرا عن الدنيا ، وقيل المعنى إن في ذلك لتذكيرا وتنبيها على أنه لا بد لذلك من صانع حكيم وأنه كائن على تقدير وتدبير لا عن تعطيل وإهمال وهو بمعزل عما يقتضيه السياق على أن الأنسب بإرادة ذلك ذكر الآثار غير مسندة إليه عزوجل فحيث ذكرت مسندة إليه سبحانه فالظاهر أن يكون متعلق التذكير والتنبيه شئونه تعالى أو شئون آثاره حسبما أشير إليه لا وجوده جل وعلا.
وقوله تعالى : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) إلخ استئناف جار مجرى التعليل لما قبله من تخصيص الذكرى بأولي الألباب ، والشرح في الأصل البسط والمد للحم ونحوه ويكنى به عن التوسيع ، وتجوز به هنا عن خلق النفس الناطقة مستعدة استعدادا تاما للقبول بجامع عدم التأبي عن القبول وسهولة الحصول وذلك بعد التجوز في الصدر ، وإرادة النفس الناطقة منه من حيث إنه محل للقلب وفي تجويفه بخار لطيف يتكون من صفوة الأغذية وبه تتعلق النفس أولا وبواسطته تتعلق بسائر البدن تعلق التدبير والتصريف ، وتلك النفس هي التي تتصف بالإسلام والإيمان ، وجعل بعض الأجلة شرح الله صدره استعارة تمثيلية ، والهمزة للإنكار داخلة على محذوف على أحد القولين المارين آنفا ، والفاء للعطف على ذلك المحذوف ، وخبر من محذوف لدلالة ما بعده عليه والتقدير أكل الناس سواء فمن شرح الله تعالى صدره وخلقه مستعدا للإسلام فبقي على الفطرة الأصلية ولم تتغير بالعوارض المكتسبة القادحة فيها (فَهُوَ) بموجب ذلك مستقر (عَلى نُورٍ) عظيم (مِنْ رَبِّهِ) وهو اللطف الإلهي المشرق عليه من بروج الرحمة عند مشاهدة الآيات التكوينية والتنزيلية والتوفيق للاهتداء بها إلى الحق كمن قسا قلبه وحرج صدره بتبديل فطرة الله تعالى بسوء اختياره واستولى عليه ظلمات الغي والضلال فأعرض عن تلك الآيات بالكلية حتى لا يتذكر بها ولا يغتنمها ، وعدل عن فعنده أو فله نور إلى ما في النظم الجليل للدلالة على استمرار ذلك واستقراره في النور وهو مستعار للطف والتوفيق للاهتداء ، وقد يقال : هو أمر إلهي غير اللطف والتوفيق يدرك به الحق ؛ وجاء برواية الثعلبي في تفسيره والحاكم في مستدركه والبيهقي في شعب الإيمان وابن مردويه عن ابن مسعود أنه قال : تلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم هذه الآية (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ) إلخ فقلنا : يا رسول الله كيف انشراح الصدر؟ قال : إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح قلنا : فما علامة ذلك يا رسول الله؟ فقال : الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والتأهب للموت قبل نزوله. واستشكل ذلك بأن ظاهر الآية ترتب دخول النور على الانشراح ، لأنه الاستعداد لقبوله وما في الحديث الشريف عكسه والظاهر أن السؤال عما في الآية وأن الجواب بيان لكيفيته. وأجيب بأن الاهتداء له مراتب بعضها مقدم وبعضها مؤخر وانشراح الصدر بحسب الفطرة والخلق وبحسب ما يطرأ عليه بعد فيض الألطاف عليه وبينهما تلازم ، والمراد بانشراح الصدر في الحديث ما يكون بعد التمكن فيه ، وفي الآية ما تقدم وقس عليه النور ، والجواب من قبيل الأسلوب الحكيم فتأمل.
(فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ) أي من أجل ذكره سبحانه الذي حقه أن تلين منه القلوب أي إذا ذكر الله تعالى عندهم أو آياته عزوجل اشمأزوا من ذلك وزادت قلوبهم قساوة. وقرئ «عن ذكر الله» والمتواترة أبلغ لأن