صحبة عن علي كرم الله تعالى وجهه ، وقال أبو الأسود ومجاهد في رواية وجماعة من أهل البيت وغيرهم : الذي صدق به هو علي كرم الله تعالى وجهه وأخرجه ابن مردويه عن أبي هريرة مرفوعا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي أنه قال : (الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ) جبريل عليهالسلام (وَصَدَّقَ بِهِ) هو النبي صلىاللهعليهوسلم ، قيل : وعلى الأقوال الثلاثة يقتضي إضمار الذي وهو غير جائز على الأصح عند النحاة من أنه لا يجوز حذف الموصول وإبقاء صلته مطلقا أي سواء عطف على موصول آخر أم لا.
ويضعفه أيضا الإخبار عنه بالجمع. وأجيب بأنه لا ضرورة إلى الإضمار ويراد بالذي الرسول صلىاللهعليهوسلم والصديق أو علي كرم الله تعالى وجههما معا على أن الصلة للتوزيع ، أو يراد بالذي جبريل عليهالسلام والرسولصلىاللهعليهوسلم معا كذلك ، وضمير الجمع قد يرجع إلى الاثنين وقد أريدا بالذي ، ولا يخفى ما ذلك من التكلف والله تعالى أعلم بحال الإخبار ، ولعل ذكر أبي بكر مثلا على تقدير الصحة من باب الاقتصار على بعض أفراد العام لنكتة وهي في أبي بكر رضي الله تعالى عنه كونه أول من آمن وصدق من الرجال ، وفي علي كرم الله تعالى وجهه كونه أول من آمن وصدق من الصبيان ، ويقال نحو ذلك على تقدير صحة خبر السدي ولا يكاد يصح لقوله تعالى : فيما بعد (لِيُكَفِّرَ) إلخ ، وبما ذكر يجمع بين الأخبار إن صحت ولا يعتبر في شيء منها الحصر فتدبر. وقرأ أبو صالح وعكرمة بن سليمان «وصدق به» مخففا أي وصدق به الناس ولم يكذبهم به يعني. أداه إليهم كما نزل عليه من غير تحريف فالمفعول محذوف لأن الكلام في القائم به الصادق وفي الحديث الصدق ، والكلام على العموم دون خصوصه عليه الصلاة والسلام فإن جملة القرآن حفظه الصحابة عنه عليه الصلاة والسلام وأدوه كما أنزل ، وقيل : المعنى وصار صادقا به أي بسببه لأن القرآن معجز والمعجز يدل على صدق النبي عليه الصلاة والسلام ، وعلى هذا فالوصف خاص ، وقد تجوز في ذلك باستعمال (صدق) بمعنى صار صادقا به ولا كناية فيه كما قيل ، وقال أو صالح : أي وعمل به وهو كما ترى. وقرئ «وصدّق به» مبنيا للمفعول مشددا (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ) بيان لما لأولئك الموصوفين بالمجيء بالصدق. والتصديق به في الآخرة من حسن المآب بعد بيان ما لهم في الدنيا من حسن الأعمال أي لهم كل ما يشاءونه من جلب المنافع ودفع المضار في الآخرة لا في الجنة فقط لما أن بعض ما يشاءونه من تكفير السيئات والأمن من الفزع الأكبر وسائر أهوال القيامة إنما يقع قبل دخول الجنة (ذلِكَ) الذي ذكر من حصول كل ما يشاءونه (جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ) أي الذين أحسنوا أعمالهم ، والمراد بهم أولئك المحدث عنهم لكن أقيم الظاهر مقام الضمير تنبيها على العلة لحصول الجزاء ، وقيل : المراد ما يعمهم وغيرهم ويدخلون دخولا أوليا ، وقوله تعالى : (لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا) إلخ متعلق بمحذوف أي ليكفر الله عنهم ويجزيهم خصهم سبحانه بما خص أو بما قبله باعتبار فحواه على ما قيل أي وعدهم الله جميع ما يشاءونه من زوال المضار وحصول المسار ليكفر عنهم بموجب ذلك الوعد أسوأ الذي عملوا إلخ ، وليس ببعيد معنى عن الأول ، وجوز أن يكون متعلقا بقوله سبحانه : (وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ) أي بما يدل عليه من الثبوت أو بالمحسنين كما قال أبو حيان فكأنه قيل : وذلك جزاء الذين أحسنوا أعمالهم ليكفر الله تعالى عنهم أسوأ الذي عملوه (وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ) ويعطيهم ثوابهم (بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) وتقديم التكفير على إعطاء الثواب لأن درء المضار أهم من جلب المسار.
وأقيم الاسم الجليل مقام الضمير الراجع إلى (رَبِّهِمْ) لإبراز كمال الاعتناء بمضمون الكلام ، وإضافة (أَسْوَأَ) و (أحسن) إلى ما بعدهما من إضافة افعل التفضيل إلى غير المفضل عليه للبيان والتوضيح كما في الأشج أعدل بني مروان ويوسف أحسن أخوته ، والتفضيل على ما قال الزمخشري للدلالة على أن الزلة المكفرة عندهم هي الأسوأ