لاستعظامهم المعصية مطلقا لشدة خوفهم ، والحسن الذي يعملونه عند الله تعالى هو الأحسن لحسن إخلاصهم فيه.
وذلك على ما قرر في الكشف لأن التفضيل هنا من باب الزيادة المطلقة من غير نظر إلى مفضل عليه نظرا إلى وصوله إلى أقصى الغاية الكمالية ، ثم لما كانوا متقين كاملي التقى لم يكن في عملهم أسوأ إلا فرضا وتقديرا.
وقوله سبحانه : (بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) دون أحسن الذي كانوا يعملون يدل على أن حسنهم عند الله تعالى من الأحسن لدلالته على أن جميع أجرهم يجري على ذلك الوجه فلو لم يعملوا إلا الأحسن كان التفضيل بحسب الأمر نفسه ولو كان في العمل الأحسن والحسن وكان الجزاء بالأحسن بأن ينظر إلى أحسن الأعمال فيجري الباقي في الجزاء على قياسه دل أن الحسن عند المجازي كالأحسن ، فصح على التقديرين أن حسنهم عند الله تعالى هو الأحسن ، ويعلم من هذا أن لا اعتزال فيما ذكره الزمخشري كما توهمه أبو حيان ، وأما قوله في الاعتراض عليه : إنه قد استعمل (أَسْوَأَ) في التفضيل على معتقدهم و (أحسن) في التفضيل على ما هو عند الله عزوجل وذلك توزيع في أفعل التفضيل وهو خلاف الظاهر. فقد يسلم إذا لم يكن في الكلام ما يؤذن بالمغايرة فحيث كان فيه هاهنا ذلك على ما قرر لا يسلم أن التوزيع خلاف الظاهر ، وقيل : إن (أَسْوَأَ) على ما هو الشائع في أفعل التفضيل ، وليس المراد أن لهم عملا سيئا وعملا أسوأ والمكفر هو الأسوأ فإنهم المتقون الذين وإن كانت لهم سيئات لا تكون سيئاتهم من الكبائر العظيمة ، ولا يناسب التعرض لها في مقام مدحهم بل الكلام كناية عن تكفير جميع سيئاتهم بطريق برهاني ، فإن الأسوأ إذا كفر كان غيره أولى بالتكفير لا أن ذلك صدر منهم ، ولا نسلم وجوب تحقق المعنى الحقيقي في الكناية وهو كما ترى ، وقال غير واحد : أفعل على ما هو الشائع والأسوأ الكفر السابق على التقوى والإحسان ، والمراد تكفير جميع ما سلف منهم قبل الإيمان من المعاصي بطريق برهاني.
وعلى هذا لا يتسنى تفسير (وَصَدَّقَ بِهِ) بعلي كرم الله تعالى وجهه إذ لم يسبق له كفر أصلي ولا يكاد يعبر عن الكفر التبعي بأسوإ العمل ، وقيل : افعل ليس للتفضيل أصلا فأسوأ بمعنى السيّئ صغيرا كان أو كبيرا كما هو وجه أيضا في الأشج أعدل بني مروان ، وأيد بقراءة ابن مقسم وحامد بن يحيى عن ابن كثير رواية عن البزي عنه «أسواء» بوزن أفعال جمع سوء ؛ وأحسن عند أكثر أهل هذه الأقوال على بابه على معنى أنه تعالى ينظر إلى أحسن طاعاتهم فيجزي سبحانه الباقي في الجزاء على قياسه لطفا وكرما ، وزعم الطبرسي أن الأحسن الواجب والمندوب والحسن المباح والجزاء إنما هو على الأولين دون المباح ، وقيل : المراد يجزيهم بأحسن من عملهم وهو الجنة ، وفيه ما فيه ، والجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل في صلة الموصول الثاني دون الأول للإيذان باستمرارهم على الأعمال الصالحة بخلاف السيئة.
(أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) إنكار ونفي لعدم كفايته تعالى على أبلغ وجه كأن الكفاية من التحقق والظهور بحيث لا يقدر أحد على أن يتفوه بعدمها أو يتلعثم في الجواب بوجودها ، والمراد ـ بعبده ـ إما رسول الله صلىاللهعليهوسلم على ما روي عن السدي وأيد بقوله تعالى : (وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) أي الأوثان التي اتخذوها آلهة ؛ فإن الخطاب سواء كانت الجملة استئنافا أو حالا له صلىاللهعليهوسلم : وقد روي أن قريشا قالت له عليه الصلاة والسلام : إنا نخاف أن تخبلك آلهتنا وتصيبك معرتها لعيبك إياها فنزلت ، وفي رواية قالوا : لتكفن عن شتم آلهتنا أو ليصيبنك منها خبل فنزلت ، أو الجنس المنتظم له عليه الصلاة والسلام انتظاما أوليا ، وأيد بقراءة أبي جعفر ومجاهد وابن وثاب وطلحة والأعمش وحمزة والكسائي «عباده» بالجمع وفسر بالأنبياء عليهمالسلام والمؤمنين ، وعلى الأول يراد أيضا الاتباع كما سمعت في قوله تعالى : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) ، (وَيُخَوِّفُونَكَ) شامل لهم أيضا على ما سلف والتئام الكلام بقوله