تعالى : (فَمَنْ أَظْلَمُ) إلى هذا المقام لدلالته على أنه تعالى يكفي نبيه صلىاللهعليهوسلم مهم دينه ودنياه ويكفي أتباعه المؤمنين أيضا المهمين وفيه أنه سبحانه يكفيهم شر الكافرين من وجهين من طريق المقابلة ومن أنه داخل في كفاية مهمي الرسول عليه الصلاة والسلام واتباعه ، وهذا ما تقتضيه البلاغة القرآنية ويلائم ما بني عليه السورة الكريمة من ذكر الفريقين وأحوالهما توكيدا لما أمر به أولا من العبادة والإخلاص وقرئ «بكافي عباده» بالإضافة و «يكافي عباده» مضارع كافي ونصب «عباده» فاحتمل أن يكون مفاعلة من الكفاية كقولك : يجاري في يجري وهو أبلغ من كفى لبنائه على لفظ المبالغة وهو الظاهر لكثرة تردد هذا المعنى في القرآن نحو (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ) [البقرة : ١٣٧] ويحتمل أن يكون مهموزا من المكافأة وهي المجازاة ، ووجه الارتباط أنه تعالى لما ذكر حال من كذب على الله وكذب بالصدق وجزاءه وحال مقابله أعني الذي جاء بالصدق وصدق به وجزاءه وعرض بقوله سبحانه : (ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ) بأن ما سلف جزاء الكافرين المسيئين لما هو معروف من فائدة البناء على اسم الإشارة ثم عقبه تعالى بقوله عزوجل : (لِيُكَفِّرَ) إلخ على معنى ليكفر عنهم ويجزيهم خصهم بما خص فنبه على المقابل أيضا من ضرورة الاختصاص والتعليل ، وفيه أيضا ما يدل على حكم المقابل على اعتبار المتعلق غير ما ذكر كما يظهر بأدنى التفات أردف بقوله تعالى : (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) وحيث إن مطمح النظر من العباد السيد الحبيب صلىاللهعليهوسلم كان المعنى الله تعالى يجازي عبده ونبيه عليه الصلاة والسلام هذا الجزاء المذكور وفيه أنه الذي يجزيه البتة ويلائمه قوله تعالى : (وَيُخَوِّفُونَكَ) فإنه لما كان في مقابلة ذم آلهتهم كما سمعت في سبب النزول كان تحذيرا من جزاء الآلهة فلا مغمز بعدم الملاءمة. نعم لا ننكر أن معنى الكفاية أبلغ كما هو مقتضى القراءة المشهورة فاعلم ذاك والله تعالى يتولى هداك.
(وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) حتى غفل عن كفايته تعالى عبده وخوف بما لا ينفع ولا يضر أصلا (فَما لَهُ مِنْ هادٍ) يهديه إلى خير ما (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ) فيجعل كونه تعالى كافيا نصب عينه عاملا بمقتضاه (فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍ) يصرفه عن مقصده أو يصيبه بسوء يخل بسلوكه إذ لا راد لفعله ولا معارض لإرادته عزوجل كما ينطق به قوله تعالى : (أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ) غالب لا يغالب منيع لا يمانع ولا ينازع (ذِي انْتِقامٍ) ينتقم من أعدائه لأوليائه ، وإظهار الاسم الجليل في موضع الإضمار لتحقيق مضمون الكلام وتربية المهابة.
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) لظهور الدليل ووضوح السبيل فقد تقرر في العقول وجوب انتهاء الممكنات إلى واجب الوجود ، والاسم الجليل فاعل لفعل محذوف أي خلقهن الله (قُلْ) تبكيتا لهم (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ) أي إذا كان خالق العالم العلوي والسفلي هو الله عزوجل كما أقررتم فأخبروني أن آلهتكم إن أرادني الله سبحانه بضر هل هن يكشفن عني ذلك الضر ، فالفاء واقعة في جواب شرط مقدر ؛ وقال بعضهم : التقدير إذا لم يكن خالق سواه تعالى فهل يمكن غيره كشف ما أراد من الضر ، وجوز أن تكون عاطفة على مقدر أي أتفكرتم بعد ما أقررتم فرأيتم ما تدعون إلخ (أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ) أي أو إن أرادني بنفع (هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ) فيمنعها سبحانه عني. وقرأ الأعرج وشيبة وعمرو بن عبيد وعيسى بخلاف عنه. وأبو عمرو وأبو بكر «كاشفات» و «ممسكات» بالتنوين فيهما ونصب ما بعدهما وتعليق إرادة الضر والرحمة بنفسه النفيسة عليه الصلاة والسلام للرد في نحورهم حيث كانوا خوفوه معرة الأوثان ولما فيه من الإيذان بإمحاض النصيحة ، وقدم الضر لأن دفعه أهم ، وقيل : «كاشفات» و «ممسكات» على ما يصفونها به من الأنوثة تنبيها على كمال ضعفها (قُلْ حَسْبِيَ اللهُ) كافي جل شأنه في جميع أموري من إصابة الخير ودفع الشر. روي عن مقاتل أنه صلىاللهعليهوسلم لما سألهم سكتوا فنزل ذلك.