الطواغيت وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله تبارك وتعالى في صورة غير الصورة التي يعرفون فيقول : أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا جاء ربنا عرفناه فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون فيقول : أنا ربكم فيقولون : أنت ربنا فيتبعونه ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أنا وأمتي أول من يجيز ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلم سلم» الحديث، ومع هذا فسوقهم ليس كسوق الذين كفروا كما لا يخفى.
وقيل : السائق للكفرة ملائكة الغضب والسائق للمتقين شوقهم إلى مولاهم فهو سبحانه لهم غاية الإرب ، وليست الجنة عندهم هي المقصودة بالذات ولا مجرد الحلول بها أقصى اللذات وإنما هي وسيلة للقاء محبوبهم الذي هو نهاية مطلوبهم (حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) وقرئ بالتشديد ، والواو وللحال والجملة حالية بتقدير قد على المشهور أي جاءوها وقد فتحت لهم أبوابها كقوله تعالى : (جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ) [ص : ٥٠] ويشعر ذلك بتقدم الفتح كأن خزنة الجنات فتحوا أبوابها ووقفوا منتظرين لهم ، وهذا كما تفتح الخدم باب المنزل للمدعو للضيافة قبل قدومه وتقف منتظرة له ، وفي ذلك من الاحترام والإكرام ما فيه ، والظاهر أن قوله تعالى : (وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها) إلخ عطف على (فُتِحَتْ أَبْوابُها) وجواب (إِذا) محذوف مقدر بعد (خالِدِينَ) للإيذان بأن لهم حينئذ من فنون الكرامات ما لا يحيط به نطاق العبارات كأنه قيل : إذا جاءوها مفتحة لهم أبوابها وقال لهم خزنتها (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) أي من جميع المكاره والآلام وهو يحتمل الإخبار والإنشاء.
(طِبْتُمْ) أي من دنس المعاصي ، وقيل : طبتم نفسا بما أتيح لكم من النعيم المقيم ، والأول مروي عن مجاهد وهو الأظهر ، والجملة في موضع التعليل (فَادْخُلُوها خالِدِينَ) أي مقدرين الخلود كان ما كان مما يقصر عنه البيان أو فازوا بما لا يعد ولا يحصى من التكريم والتعظيم ، وقدره المبرد سعدوا بعد (خالِدِينَ) أيضا ، ومنهم من قدره قبل (وَفُتِحَتْ) أي حتى إذا جاءوها جاءوها وقد فتحت وليس بشيء ، ومنهم من قدره نحو ما قلنا قبل (وَقالَ) وجعل جملة «قال» إلخ معطوفة عليه ، وما تقدم أقوى معنى وأظهر.
وقال الكوفيون : واو (وَفُتِحَتْ) زائدة والجواب جملة (فُتِحَتْ) وقيل : الجواب (قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها) والواو زائدة ، والمعول عليه ما ذكرنا أولا وبه يعلم وجه اختلاف الجملتين أعني قوله تعالى في أهل النار : (حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها) وقوله جل شأنه في أهل الجنة : (حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) حيث جيء بواو في الجملة الثانية وحذف الجواب ولم يفعل كذلك في الجملة الأولى ، فما قيل : إن الواو في الثانية واو الثمانية لأن المفتح ثمانية أبواب ولما كانت أبواب النار سبعة لا ثمانية لم يؤت بها وجه ضعيف لا يعول عليه.
واستدل المعتزلة بقوله : (طِبْتُمْ فَادْخُلُوها) حيث رتب فيه الأمر بالدخول على الطيب والطهارة من دنس المعاصي على أن أحدا لا يدخل الجنة إلا وهو طيب طاهر من المعاصي إما لأنه لم يفعل شيئا منها أو لأنه تاب عما فعل توبة مقبولة في الدنيا. ورد بأنه وإن دل على أن أحدا لا يدخلها إلا وهو طيب لكن قد يحصل ذلك بالتوبة المقبولة وقد يكون بالعفو عنه أو الشفاعة له أو بعد تمحيصه بالعذاب فلا متمسك فيها للمعتزلة.
وقيل : المراد بالذين اتقوا المحترزون عن الشرك خاصة فطبتم على معنى طبتم عن دنس الشرك ولا خلاف في أن دخول الجنة مسبب عن الطيب والطهارة عنه. وتعقب بأن ذاك خلاف الظاهر لأن التقوى في العرف الغالب تقع على أخص من ذلك لا سيما في معرض الإطلاق والمدح بما عقبه من قوله تعالى : (فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) فتدبر (وَقالُوا) عطف على (قالَ) أو على الجواب المقدر بعد (خالِدِينَ) أو على مقدر غيره أي فدخلوها وقالوا : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ) بالبعث والثواب (وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ) يريدون المكان الذي استقروا فيه فإن كانت