كان بعد فهو الفيء ، وأنت تعلم أن الظل بالمعنى الذي تعتبر فيه الشمس لا يتصور في الجنة إذ لا شمس فيها ، ومن هنا قال الراغب : الظل ضد الضح وهو أعم من الفيء فإنه يقال ظل الليل وظل الجنة ، وجاء في ظلها ما يدل على أنه كالظل الذي يكون في الدنيا قبل طلوع الشمس ، فقد روى ابن القيم في حادي الأرواح عن ابن عباس أنه سئل ما أرض الجنة؟ قال : مرمرة بيضاء من فضة كأنها مرآة قيل : ما نورها؟ قال : ما رأيت الساعة التي قبل طلوع الشمس فذلك نورها إلا أنها ليس فيها شمس ولا زمهرير ، وذكر ابن عطية نحو هذا لكن لم يعزه. وتعقبه أبو حيان بأنه يحتاج إلى نقل صحيح وكيف يكون ذلك وفي الحديث ما يدل على أن حوراء من حور الجنة لو ظهرت لأضاءت منها الدنيا أو نحو من هذا ، ويمكن الجواب بأن المراد تقريب الأمر لفهم السائل وإيضاح الحال بما يفهمه أو بيان نورها في نفسها لا الأعم منه ومما يحصل فيها من أنوار سكانها الحور العين وغيرهم.
نعم نورها في نفسها أتم من نور الدنيا قبل طلوع الشمس كما يومئ إليه ما أخرجه ابن ماجة عن أسامة قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ألا هل مشمر للجنة فإن الجنة لا خطر لها أي لا عدل ولا مثل وهي ورب الكعبة نور يتلألأ» الحديث ، ويجوز حمل الظلال جمع ظل هنا على هذا المعنى وجمعه للتعدد الاعتباري ، ويجوز حمل الظل على العزة والمناعة فإنه قد يعبر به عن ذلك وبهذا فسر الراغب قوله تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ) [المرسلات : ٤١] وهو غير معنى الوقاية عن مظان الألم الذي ذكره الإمام ، ويجوز حمله على أنه جمع ظلة على الستور التي تكون فوق الرأس من سقف وشجر ونحوهما ووجود ذلك في الجنة مما لا شبهة فيه فقد جاء في الكتاب وصح في السنة أن فيها غرفا وهي ظاهرة فيما كان ذا سقف بل صرح في بعض الأخبار بالسقف وجاء فيها أيضا ما هو ظاهر في أن فيها شجرا مرتفعا يظل من تحته ، وقد صح من رواية الشيخين أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها فاقرءوا إن شئتم (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) [الواقعة : ٣٠]» وأخرج ابن أبي الدنيا عن ابن عباس أنه قال الظل الممدود شجرة في الجنة على ساق قدر ما يسير الراكب المجد في ظلها مائة عام في كل نواحيها يخرج إليها أهل الجنة أهل الغرف وغيرهم فيتحدثون في ظلها الخبر ، وابن الأثير يقول : معنى في ظلها في ذراها وناحيتها ، وكان هذا لدفع أنها تظل من الشمس أو نحوها ، و (الْأَرائِكِ) جمع أريكة وهو السرير في قول ، وقيل : الوسادة حكاه الطبرسي وقال الزهري : كل ما اتكئ عليه فهو أريكة ، وقال ابن عباس : لا تكون أريكة حتى يكون السرير في الحجلة فإن كان سرير بغير حجلة لا تكون أريكة وإن كانت حجلة بغير سرير لم تكن أريكة فالسرير والحجلة أريكة وفي حادي الأرواح لا تكون أريكة إلا أن يكون السرير في الحجلة وأن يكون على السرير فراش ، وفي الصحاح الأريكة سرير منجد مزين في قبة أو بيت ، وقال الراغب : الأريكة حجلة على سرير والجمع آرائك ، وتسميتها بذلك إما لكونها في الأرض متخذة من أراك هو شجر معروف أو لكونها مكانا للإقامة من قولهم أرك بالمكان أروكا ، وأصل الأروك الإقامة على رعي الأراك ثم تجوز به في غيره من الاقامات.
وبالجملة إن كلام الأكثرين يدل على أن السرير وحده لا يسمى أريكة نعم يقال للمتكئ على أريكة متكئ على سرير فلا منافاة بين ما هنا وقوله تعالى : (مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ) [الطور : ٢٠] لجواز أن تكون السرر في الحجال فتكون أرائك ، ويجوز أن يقال : إن أهل الجنة تارة يتكئون على الأرائك وأخرى يتكئون على السرر التي ليست بآرائك ، وسيأتي إن شاء تعالى ما ورد في وصف سررهم رزقنا الله تعالى وإياكم الجلوس على هاتيك السرر والاتكاء مع الأزواج على الأرائك ، والظاهر أن المراد بالأزواج أزواجهم المؤمنات اللاتي كن لهم في الدنيا ، وقيل أزواجهم اللاتي زوجهم الله تعالى إياهن من الحور العين ، ويجوز فيما يظهر أن يراد الأعم من الصنفين ومن المؤمنات اللاتي متن