وكون المراد حسرة غيرهم عليهم والاضافة لأدنى ملابسة خلاف الظاهر ؛ وأخرج ابن جرير. وغيره عن قتادة أنه قال في بعض القراءات «يا حسرة العباد على أنفسها ما يأتيهم» إلخ.
وجوز أن تكون حسرة الملائكة عليهمالسلام والمؤمنين من الثقلين ، وعن الضحاك تخصيصها بحسرة الملائكةعليهمالسلام وزعم أن المراد بالعباد الرسل الثلاثة وأبو العالية فسر (الْعِبادِ) بهذا أيضا لكنه حمل الحسرة على حسرة الكفار المهلكين قال : تحسروا حين رأوا عذاب الله تعالى وتلهفوا على ما فاتهم ، وقيل : المراد بالعباد المهلكون والمتحسر الرجل الذي جاء من أقصى المدينة تحسر لما وثب القوم لقتله ، وقيل : المراد بالعباد أولئك والمتحسر الرسل حين قتلوا ذلك الرجل وحل بهم العذاب ولم يؤمنوا ، ولا يخفى حال هذه الأقوال وكان مراد من قال : المتحسر الرجل ومن قال المتحسر الرسل عنى أن القول المذكور قول الرجل أو قول الرسل ، وفي كلام أبي حيان ما هو ظاهر في ذلك ، ومع هذا لا ينبغي أن يعول على شيء مما ذكر ، وجوز أن يكون التحسر منه سبحانه وتعالى مجازا على استعظام ما جنوه على أنفسهم ، وأيد بأنه قرئ «يا حسرتا على العباد» فإن الأصل عليها يا حسرتي فقلبت الياء ألفا ، ونحوها قراءة ابن عباس كما قال ابن خالويه «يا حسرة على العباد» بغير تنوين فإن الأصل أيضا يا حسرتي فقلبت الياء ألفا ثم حذفت الألف واكتفى عنها بالفتحة ، وقرأ أبو الزناد وابن هرمز وابن جندب «يا حسرة على العباد» بالهاء الساكنة ، قال في المنتقى : وقف «على حسره» وقفا طويلا تعظيما للأمر ثم قيل «على العباد».
وفي اللوامح وقفوا على الهاء مبالغة في التحسر لما في الهاء من التأهه كالتأوه ، ثم وصلوه على تلك الحال.
وقال الطيبي : إن العرب إذا أخبرت عن الشيء غير معتد به أسرعت فيه ولم تأت على اللفظ المعبر عنه نحو قلت لها قفي قالت لنا قاف أي وقفت فاقتصرت من جملة الكلمة على حرف منها تهاونا بالحال وتثاقلا عن الإجابة ، ولا يخفى أن هذا لا يناسب المقام ، وينبغي على هذا القراءة أن لا يكون (عَلَى الْعِبادِ) متعلقا بحسرة أو صفة له إذ لا يحسن الوقف حينئذ بل يجعل متعلقا بمضمر يدل عليه (حَسْرَةً) نحو يتحسر أو أتحسر على العباد ، وتقدير انظروا ليس بذاك أو خبر مبتدأ محذوف لبيان المتحسر عليه أي الحسرة على العباد وتخريج قراءة «يا حسرتا» بالألف على هذا الطرز بأن يقال : قدر الوقف على المنصوب المنون فإنه يوقف عليه بالألف ككان الله على كل شيء قديرا ، وضرب زيد عمرا ليس بشيء ولو سلم أنه شيء لا ينافي التأييد ، وقيل (يا) للنداء والمنادى محذوف و (حَسْرَةً) مفعول مطلق لفعل مضمر و (عَلَى الْعِبادِ) متعلق بذلك الفعل أي يا هؤلاء تحسروا حسرة على العباد.
ولعل الأوفق للمقام المتبادر إلى الأفهام أن المراد نداء حسرة كل من يتأتى منه التحسر ففيه من المبالغة ما فيه.
وقوله تعالى (ما يَأْتِيهِمْ) إلخ استئناف لبيان ما يتحسر منه ، و (بِهِ) متعلق بيستهزءون. وقدم عليه للحصر الادعائي وجوز أن يكون لمراعاة الفواصل.
(أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ) الضمير لأهل مكة والاستفهام للتقرير وكم خبرية في موضع نصب باهلكنا و (مِنَ الْقُرُونِ) بيان لكم ، وجوز بعض المتأخرين كون (كَمْ) مبتدأ والجملة بعده خبره وهو كلام من لا خبر عنده والجملة معمولة ليروا نافذ معناها فيها و (كَمْ) معلقة لها عن العمل في اللفظ لأنها وإن كانت خبرية لها صدر الكلام كالاستفهامية فلا يعمل فيها عامل متقدم على اللغة الفصيحة إلا إذا كان حرف جر أو اسما مضافا نحو على كم فقير تصدقت أرجو الثواب وابن كم رئيس صحبته.