شفاعتهم وجعلهم جندا ، والتعبير باللام في الوجهين على ما مر آنفا ، واختلاف مراجع الضمائر في الآية ليس من التفكيك المحظور ، والواو في قوله سبحانه (وَهُمْ) إلخ على جميع ما مر إما عاطفة أو حالية إلا أن الحال مقدرة في بعض الأوجه كما لا يخفى. والفاء في قوله تعالى (فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) فصيحة أي إذا كان هذا حالهم مع ربهم عزوجل فلا تحزن بسبب قولهم عليك هو شاعر أو إذا كان حالهم يوم القيامة ما سمعت فلا تحزن بسبب قولهم على الله سبحانه إن له شركاء تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا أو عليك هو شاعر أو على الله تعالى وعليك ما لا يليق بشأنه عزوجل وشأنك ، والاقتصار في بيان قولهم عليه صلىاللهعليهوسلم بأنه وحاشاه شاعر لأنه الأوفق بما تقدم من قوله تعالى (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ) وقد يعمم فيشمل جميع ما لا يليق بشأنه عليه الصلاة والسلام من الأقوال ، وتفسير الشرط الذي أفصحت عنه الفاء بما ذكرنا أولا هو المناسب لما روي عن الحسن وقتادة في معنى قوله تعالى (وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ) وبما ذكرنا ثانيا هو المناسب لما ذكر بعد في معنى ذلك ، وقيل التقدير على الأول إذا كانوا في هذه المرتبة من سخافة العقول حيث اتخذوا رجاء النصر آلهة من دون الله عزوجل لا يقدرون على نصرهم والذب عنهم بل هم يذبون عن تلك الآلهة فلا تحزن بسبب قولهم عليك ما قالوا ولعل الأول أولى ، وأيا ما كان فالنهي وإن كان بحسب الظاهر متوجها إلى قولهم لكنه في الحقيقة كما أشرنا إليه متوجه إلى رسول اللهصلىاللهعليهوسلم والمراد نهيه عليه الصلاة والسلام عن التأثر من الحزن بطريق الكناية على أبلغ وجه وأكده كما لا يخفى.
وقرأ نافع «فلا يحزنك» بضم الياء وكسر الزاي من أحزن المنقول من حزن اللازم وجاء حزنه وأحزنه. (إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) تعليل صريح للنهي بطريق الاستئناف بعد تعليلة بطريق الإشعار بناء على التقدير الثاني في الشرط فإن العلم بما ذكر مجاز عن مجازاتهم عليه أو كناية عنها للزومها إياه إذ علم الملك القادر الحكيم بما جرى من عدوه الذي تقتضي الحكمة الانتقام منه مقتض لمجازاته والانتقام منه ، وهو على التقدير الأول قيل استئناف بياني وقع جواب سؤال مقدر كأنه قيل : يا رب فإذا كان حالهم معك ومع نبيك ذلك فما ذا تصنع بهم؟ فقيل : (إِنَّا نَعْلَمُ) إلخ أي نجازيهم بجميع جناياتهم ، وقيل هو تعليل لترتيب النهي على الشرط فتأمل ، وما موصولة والعائد محذوف أي نعلم الذي يسرونه من العقائد الزائغة والعداوة لك ونحو ذلك والذي يعلنونه من كلمات الإشراك والتكذيب ونحوها ، وجوز أن تكون مصدرية أي نعلم أسرارهم وإعلانهم والمفعول محذوف أو الفعلان منزلان منزلة اللازم والمتبادر الأول وهو الأولى.
وتقديم السر على العلن لبيان احاطة علمه سبحانه بحيث إن علم السر عنده تعالى كأنه أقدم من علم العلن ، وقيل : لأن مرتبة السر متقدمة على مرتبة العلن إذ ما من شيء يعلن إلا وهو أو مباديه مضمر في القلب قبل ذلك فتعلق علمه تعالى بحالته الأولى متقدم على تعلقه بحالته الثانية حقيقة ، وقيل : للإشارة إلى الاهتمام بإصلاح الباطن فإنه ملاك الأمر ولأنه محل الاشتباه المحتاج للبيان ، وشاع أن الوقف على (قَوْلُهُمْ) متعين ، وقيل : ليس به لأنه جوز في (إِنَّا نَعْلَمُ) إلخ كونه مقول القول على أن ذلك من باب الإلهاب والتعريض كقوله تعالى (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام : ١٤ ، يونس : ١٠٥ ، القصص : ٨٧] أو على أن المراد فلا يحزنك قولم على سبيل السخرية والاستهزاء إنا نعلم إلخ ، ومنه يعلم أنه لو قرأ قارئ أنا نعلم بالفتح وجعل ذلك بدلا من (قَوْلُهُمْ) لا تنتقض صلاته ولا يكفر لو اعتقد ما يعطيه من المعنى كما لو جعله تعليلا على حذف حرف التعليل ، والحق أن مثل هذا التوجيه لا بأس بقبوله في درء الكفر ، وأما أمر الوقف فالذي ينبغي أن يقال فيه إنه على قولهم كالمتعين (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ) كلام مستأنف مسوق لبيان بطلان إنكارهم البعث بعد ما شاهدوا في أنفسهم ما يوجب التصديق به كما أن ما سبق