مسوق لبيان بطلان إشراكهم بالله عزوجل وبعد ما عاينوا فيما بأيديهم ما يوجب التوحيد والإسلام ، وقيل : إنه تسلية له عليه الصلاة والسلام كقوله تعالى (فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) وذلك بتهوين ما يقولونه بالنسبة إلى إنكارهم الحشر وليس بشيء.
والهمزة للإنكار والتعجب والواو للعطف على جملة مقدرة هي مستتبعة للمعطوف كما مر في قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا) إلخ أي ألم يتفكر الإنسان ولم يعلم أنا خلقناه من نطفة أو هي عين تلك الجملة أعيدت تأكيدا للنكير السابق وتمهيدا لإنكار ما هو أحق منه بالإنكار لما أن المنكر عين علمهم بما يتعلق بخلق أنفسهم ، ولا ريب في أن علم الإنسان بأحوال نفسه أهم وإحاطته بها أسهل وأتم فالإنكار والتعجيب من الإخلال بذلك كأنه قيل ألم يعلموا خلقه تعالى لأسباب معايشهم ولم يعلموا خلقه تعالى لأنفسهم أيضا مع كون العلم بذلك في غاية الظهور ونهاية الأهمية ، ويشير كلام بعض الأجلة إلى أن العطف على (أَوَلَمْ يَرَوْا) السابق والجامع ابتناء كل منهما على التعكيس فإنه تعالى خلق للإنسان ما خلق ليشكر فكفر وجحد المنعم والنعم وخلقه سبحانه من نطفة قذرة ليكون منقادا متذللا فطغى وتكبر وخاصم ، وإيراد الإنسان مورد الضمير لأن مدار الإنكار متعلق بأحواله من حيث هو إنسان.
وقوله تعالى (فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ) أي مبالغ في الخصومة والجدال الباطل (مُبِينٌ) ظاهر متجاهر في ذلك عطف على الجملة المنفية داخل في حيز الإنكار والتعجيب كأنه قيل : أو لم يرانا خلقناه من أخس الأشياء وأمهنها ففاجأ خصومتنا في أمر يشهد بصحته مبدأ فطرته شهادة بينة ، وإيراد الجمل اسمية للدلالة على استقراره في الخصومة واستمراره عليها. وفي الحواشي الخفاجية أن تعقيب الإنكار بالفاء وإذا الفجائية على ما يقتضي خلافه مقو للتعجيب ، والمراد بالإنسان الجنس ، والخصيم إنما هو الكافر المنكر للبعث مطلقا ، نعم نزلت الآية في كافر مخصوص ، أخرج جماعة منهم الضياء في المختارة عن ابن عباس قال : جاء العاص بن وائل إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعظم حائل ففته بيده فقال : يا محمد أيحيي الله تعالى هذا بعد ما أرم؟ قال : نعم يبعث الله تعالى هذا ثم يميتك ثم يحييك ثم يدخلك نار جهنم فنزلت الآيات (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ) إلى آخر السورة ، وفي رواية ابن مردويه عنه أن الجائي ذلك القائل أبي بن خلف وهو الذي قتله رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم أحد بالحربة ، وروي ذلك عن أبي مالك ومجاهد وقتادة والسدي وعكرمة وغيرهم كما في الدر المنثور. وفي رواية أخرى عن الحبر أنه أبو جهل بن هشام ، وفي أخرى عنه أيضا أنه عبد الله بن أبي ، وتعقب ذلك أبو حيان بأن نسبة ذلك إلى أن عباس رضي الله تعالى عنهما وهم لأن السورة والآية مكية بإجماع ولأن عبد الله بن أبي لم يجاهر قط هذه المجاهرة ، وحكي عن مجاهد وقتادة أنه أمية بن خلف ، والذي اختاره وأدعى أنه أصح الأقوال أنه أبي بن خلف ثم قال : ويحتمل أن كلا من هؤلاء الكفرة وقع منه ذلك ، وقيل معنى قوله تعالى (فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) فإذا هو بعد ما كان ماء مهينا رجل مميز منطيق قادر على الخصام مبين معرب عما في ضميره فصيح فهو حينئذ معطوف على «خلقناه» والتعقيب والمفاجأة ناظران إلى خلقه ، و (مُبِينٌ) متعد والكلام من متممات شواهد صحة البعث فقوله تعالى (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً) معطوف حينئذ على الجملة المنفية داخل في حيز الإنكار ، وأما على الأول فهو عطف على الجملة الفجائية ، والمعنى ففاجأ خصومتنا وضرب لنا مثلا أي أورد في شأننا قصة عجيبة في نفس الأمر هي في الغرابة كالمثل وهي إنكار احيائنا العظام أو قصة عجيبة في زعمه واستبعدها وعدها من قبيل المثل وأنكرها أشد الإنكار وهي أحياؤنا إياها أو جعل لنا مثلا ونظيرا من الخلق وقاس قدرتنا على قدرتهم ونفي الكل على العموم ، وقوله تعالى (وَنَسِيَ خَلْقَهُ) أي خلقنا إياه على الوجه المذكور الدال على بطلان ما ضربه أما عطف على «ضرب» داخل في حيز الإنكار والتعجيب أو حال من فاعله بإضمار قد أو بدونه ، ونسيان خلقه بأن لم