التقدير لجمع ذائق ، وقيل : على تقدير إن جمعكم لذائق. وقرئ «لذائقون» بالنون «العذاب» بالنصب على الأصل (وَما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي إلا جزاء ما كنتم تعملونه من السيئات أو إلا بما كنتم تعملونه منها (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) استثناء منقطع من ضمير ذائقو وما بينهما اعتراض جيء به مسارعة إلى تحقيق الحق ببيان أن ذوقهم العذاب ليس إلا من جهتهم لا من جهة غيرهم أصلا فإلا مؤولة بلكن وما بعد كخبرها فيصير التقدير لكن عباد الله المخلصين أولئك لهم رزق وفواكه إلخ.
ويجوز أن يكون المعنى لكن عباد الله المخلصين ليسوا كذلك ، وقيل استثناء منقطع من ضمير (تُجْزَوْنَ) على أن المعنى تجزون بمثل ما عملتم لكن عباد الله المخلصين يجزون أضعافا مضاعفة بالنسبة إلى ما عملوا. ولا يخفى بعده ، وأبعد منه جعل الاستثناء من ذلك متصلا بتعميم الخطاب في «تجزون» لجميع المكلفين لما فيه مع احتياجه إلى التكلف الذي في سابقه من تفكيك الضمائر ، و (الْمُخْلَصِينَ) صفة مدح حيث كانت الإضافة للتشريف (أُولئِكَ) أي العباد المذكورون ، وفيه إشارة إلى أنهم ممتازون بما اتصفوا به من الإخلاص في عبادته تعالى عمن عداهم امتيازا بالغا ، وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه للإشعار بعلو طبقتهم وبعد منزلتهم في الفضل.
وهو مبتدأ وقوله تعالى : (لَهُمْ) أما خبر له وقوله سبحانه : (رِزْقٌ) مرتفع على الفاعلية للظرف وإما خبر مقدم و (رِزْقٌ) مبتدأ مؤخر والجملة خبر المبتدأ والمجموع كالخبر للمستثنى المنقطع على ما أشرنا إليه أو استئناف لما أفاده الاستثناء إجمالا بيانا تفصيليا وقوله تعالى : (مَعْلُومٌ) أي معلوم الخصائص ككونه غير مقطوع ولا ممنوع حسن المنظر لذيذ الطعم طيب الرائحة إلى غير ذلك من الصفات المرغوبة ، فلا يقال : إن الرزق لا يكون معلوما إلا إذا كان مقدرا بمقدار وقد جاء في آية أخرى (يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ) [غافر : ٤٠] وما لا يدخل تحت الحساب لا يحد ولا يقدر فلا يكون معلوما ، وقيل المراد معلوم الوقت لقوله تعالى (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) [مريم : ٦٢] وعن قتادة الرزق المعلوم الجنة ، وتعقب بأنه (فِي جَنَّاتِ) بعد يأباه. واعترض بأنه إذا كان المعنى وهم مكرمون فيها لم يكن به بأس. أجيب بأن جعلها مقر المرزوقين لا يلائم جعلها رزقا وأما إذا كان قيدا للرزق فهو ظاهر الإباء ، وكون المساكن رزقا للساكن فإذا اختلف العنوان لم يكن به بأس لا يدفع ما قرر كما لا يخفى على المنصف ، وقوله تعالى : (فَواكِهُ) بدل من (رِزْقٌ) بدل كل من كل ، وفيه تنبيه على أنه مع تميزه بخواصه كله فواكه أو خبر مبتدأ محذوف والجملة مستأنفة أي ذلك الرزق فواكه والمراد بها ما يؤكل لمجرد التلذذ دون الاقتيات وجميع ما يأكله أهل الجنة كذلك حتى اللحم لكونهم مستغنين عن القوت لإحكام خلقتهم وعدم تحلل شيء من أبدانهم بالحرارة الغريزية ليحتاجوا إلى بدل يحصل من القوت ، فالمراد بالفاكهة هنا غير ما أريد بها في قوله تعالى (وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) [الواقعة : ٢٠ ، ٢١] وهي هناك بالمعنى المعروف فلا منافاة. وجوز أن يكون عطف بيان للرزق المعلوم فوجه الاختصاص ما علم به من بين الأرزاق أنه فواكه ، وقيل هو بدل بعض من كل ، وتخصيصها بالذكر لأنها من أتباع سائر الأطعمة فتدل على تحقق غيرها (وَهُمْ مُكْرَمُونَ) عند الله تعالى لا يلحقهم هوان وذلك أعظم المثوبات وأليقها بأولي الهمم ، ولعل هذا إشارة إلى النعيم الروحاني بعد النعيم الجسماني الذي هو بواسطة الأكل.
وقيل مكرمون في نيل الرزق حيث يصل إليهم من غير كسب وكد وسؤال كما هو شأن أرزاق الدنيا.
وقرئ «مكرّمون» بالتشديد (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) أي في جنات ليس فيها إلا النعيم على أن الإضافة على معنى لام الاختصاص المفيدة للحصر. والظرف متعلق بمكرمون أو بمعلوم أو بمحذوف حال من المستكن في