(مُكْرَمُونَ) أو خبر ثان لأولئك أو (لَهُمْ) وقوله تعالى : (عَلى سُرُرٍ) يحتمل أن يكون حالا من المستكن في (مُكْرَمُونَ) أو في الظرف قبله وأن يكون خبرا فيكون قوله سبحانه (مُتَقابِلِينَ) حالا من المستكن فيه أو في (مُكْرَمُونَ) أو في الظرف أعني (فِي جَنَّاتِ) وأن يتعلق بمتقابلين فيكون حالا من المستكن في غيره.
وأشير بتقابلهم إلى استئناس بعضهم ببعض فبعضهم يقابل بعضا للاستئناس والمحادثة. وفي بعض الأحاديث أنه ترفع عنهم الستور أحيانا فينظر بعضهم إلى بعض ، وقرأ أبو السمال «سرر» بفتح الراء وهي لغة بعض تميم وكلب يفتحون ما كان جمعا على فعل من المضعف إذا كان اسما ، واختلف النحويون في الصفة فمنهم من قاسها على الاسم ففتح فيقول ذلل بفتح اللام على تلك اللغة. ومنهم من خص ذلك بالاسم وهو مورد السماع. وقوله تعالى : (يُطافُ عَلَيْهِمْ) إما استئناف لبيان ما يكون لهم في مجالس أنسهم أو حال من الضمير في (مُتَقابِلِينَ) أو في أحد الجارين : وجوز كونه صفة لمكرمون. وفاعل الطواف على ما قيل من مات من أولاد المشركين قبل التكليف. ففي الصحيح أنهم خدم أهل الجنة. وقد صرح به في موضع آخر وهو قوله تعالى (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) [الواقعة : ١٧] وقوله سبحانه (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ) [الطور : ٢٤] (بِكَأْسٍ) أي بخمر كما روي عن ابن عباس وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وغيرهما عن الضحاك قال : كل كأس ذكره الله تعالى في القرآن إنما عنى به الخمر. ونقل ذلك أيضا عن الحبر والأخفش وهو مجاز مشهور بمنزلة الحقيقة. وعليه قول الأعشى :
وكأس شربت على لذة |
|
وأخرى تداويت منها بها |
ويدل على أنه أراد بها الخمر إطلاقا للمحل على الحال قوله شربت وتقدير شربت ما فيها تكلف ، والقرينة هاهنا ما يأتي بعد. وجوز تفسيره بمعناه الحقيقي وهو إناء فيه خمر ، وأكثر اللغويين على أن إناء الخمر لا يسمى كأسا حقيقة إلا وفيه خمر فإن خلا منه فهو قدح ، والخمر ليس بمتعين ، قال في البحر : الكأس ما كان من الزجاج فيه خمر أو نحوه من الأنبذة ولا يسمى كأسا إلا وفيه ذلك ، وقال الراغب : الكأس الإناء بما فيه من الشراب ويسمى كل واحد منهما بانفراده كأسا يقال كأس خال ويقال شربت كأسا وكأس طيبة ، ولعل كلامه أظهر في أن تسمية الخالي كأسا مجاز ، وحكي عن بعضهم أنه قال : الكأس من الأواني كل ما اتسع فمه ولم يكن له مقبض ولا يراعى كونه لخمر أو لغيره (مِنْ مَعِينٍ) في موضع الصفة لكأس أي كائنة من شراب معين أو نهر معين أي ظاهر للعيون جار على وجه الأرض كما تجري الأنهار أو خارج من العيون والمنابع. وأصله معيون من عان الماء إذا ظهر أو نبع على أن ميمه زائدة أو هو من معن فهو فعيل على أن الميم أصلية.
ووصف به خمر الجنة تشبيها لها بالماء لكثرتها حتى تكون أنهارا جارية في الجنان. ويؤذن ذلك برقتها ولطافتها وأنها لم تدس بالأقدام كخمر الدنيا كما ينبئ عن دوسها بها قوله :
بنت كرم يتموها أمها |
|
ثم هانوها بدوس بالقدم |
ثم عادوا حكموها فيهم |
|
ويلهم من جور مظلوم حكم |
وقوله الآخر :
وشمولة من عهد عاد قد غدت |
|
صرعى تداس بأرجل العصار |
لانت لهم حتى انتشوا فتمكنت |
|
منهم فصاحت فيهم بالثار |
وهذا مبني على أنها خمر في الحقيقة ، وجوز أن تكون ماء فيه لذة الخمر ونشأته فالوصف بذلك ظاهر ، وتفيد