يكتب من أعمال الفجار (لَفِي) إلخ وقيل مصدر بمعنى الكتابة وفي الكلام مضاف مقدر أي كتابة عمل الفجار لفي إلخ ، والمراد ب (الفُجَّارِ) هنا على ما قال أبو حيان الكفار ، وعلى ما قال غير واحد ما يعمهم والفسقة فيدخل فيهم المطففون و (سِجِّينٍ) قيل صفة كسكير واختار غير واحد أنه علم لكتاب جامع وهو ديوان الشر دوّن فيه أعمال الفجرة من الثقلين كما قال تعالى : (وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ كِتابٌ مَرْقُومٌ) فإن الظاهر أن (كِتابٌ) بدل من (سِجِّينٌ) أو خبر مبتدأ محذوف هو ضمير راجع إليه أي هو كتاب ، وأصله وصف من السّجن بفتح السين لقب به الكتاب لأنه سبب الحبس فهو في الأصل فعيل بمعنى فاعل ، أو لأنه ملقى كما قيل تحت الأرضين في مكان وحش كأنه مسجون فهو بمعنى مفعول ولا يلزم على جعله علما لما ذكر كون الكتاب ظرفا للكتاب لما سمعت من تفسير كتاب الفجار ، وعليه يكون الكتاب المذكور ظرفا للعمل المكتوب فيه أو ظرفا للكتابة. وقيل : الكتاب على ظاهره والكلام نظير أن تقول : إن كتاب حساب القرية الفلانية في الدستور الفلاني لما يشتمل على حسابها وحساب أمثالها في أن الظرفية فيه من ظرفية الكل للجزء. وعن الإمام لا استبعاد في أن يوضع أحدهما في الآخر حقيقة أو ينقل ما في أحدهما للآخر. وعن أبيّ على أن قوله تعالى (كِتابٌ مَرْقُومٌ) أي موضع كتاب ، فكتاب على ظاهره و (سِجِّينٌ) موضع عنده ويؤيده ما أخرجه ابن جرير عن أبي هريرة مرفوعا : «إن الفلق جب في جهنم مغطى ، وسجين جب فيها مفتوح» وعليه يكون سجين لشر موضع في جهنم. وجاء في آثار عدة أنه موضع تحت الأرض السابعة ولا منافاة بين ذلك وبين الخبر المذكور بناء على القول بأن جهنم تحت الأرض. وفي الكشف لا يبعد أن يكون سجين علم الكتاب وعلم الموضع أيضا جمعا بين ظاهر الآية وظواهر الأخبار وبعض من ذهب إلى أنه في الآية علم الموضع قال «وما أدراك سجين» على حذف مضاف أي وما أدراك ما كتاب سجين. وقال ابن عطية : من قال بذلك فكتاب عنده مرفوع على أنه خبر (إِنَ) والظرف الذي هو (لَفِي سِجِّينٍ) ملغى ، وتعقب بأن إلغاءه لا يتسنى إلّا إذا كان معمولا للخبر أعني (كِتابٌ) أو لصفته أعني (مَرْقُومٌ) وذلك لا يجوز لأن (كِتابٌ) موصوف فلا يعمل ، ولأن (مَرْقُومٌ) الذي هو صفته لا يجوز أن تدخل اللام في معموله ولا يجوز أن يتقدم معموله على الموصوف وفيه نظر. وقيل : (كِتابٌ) خبر ثان لإن ، وقيل : خبر كمبتدأ محذوف هو ضمير راجع إلى (كِتابَ الفُجَّارِ) ومناط الفائدة الوصف ، والجملة في البين اعتراضية وكلا القولين خلاف الظاهر. وعن عكرمة إن (سِجِّينٌ) عبارة عن الخسار والهوان كما تقول : بلغ فلان الحضيض إذا صار في غاية الخمول. والكلام في (وَما أَدْراكَ) إلخ عليه يعلم مما ذكرنا وهذا خلاف المشهور. وزعم بعض اللغويين أن نونه بدل من لام وأصله سجيل فهو كجبرين في جبريل فليس مشتقا من السجن أصلا. و (مَرْقُومٌ) من رقم الكتاب إذا أعجمه وبيّنه لئلا يلغو أي كتاب بيّن الكتابة أو من رقم الكتاب إذا جعل له رقما أي علامة أي كتاب معلم يعلم من رآه أنه لا خير فيه. وقال ابن عباس والضحاك (مَرْقُومٌ) مختوم بلغة حمير وذكر بعضهم أنه يقال : رقم الكتاب بمعنى ختمه ولم يخصه بلغة دون لغة. وفي البحر (مَرْقُومٌ) أي مثبت كالرقم لا يبلى ولا يمحى وهو كما ترى. وشاع الرقم في الكتابة قال أبو حيان : وهو أصل معناه ، ومنه قول الشاعر :
سأرقم في الماء القراح إليكم |
|
على بعدكم إن كان للماء راقم |
وأما الرقم المعروف عند أهل الحساب فالظاهر أنه بمعنى العلامة وخص بعلامة العدد فيما بينهم وقوله تعالى (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) متصل بقوله تعالى (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) وما بينهما اعتراض والمراد