نرى آيات الله في حقائق وأسرار الكون والحياة مما لم يره من سبقنا ، بل ولم يخطر ببالهم أن يصل العلم البشري إلى هذا المستوى المتقدّم كثيرا جدا مقارنة بما كان عليه علم البشر سابقا! أفلا يصدق القرآن اليوم كصدقه في الأمس ، فيكون معجزة هذا العصر كما كان معجزة العصر العربي الأول في زمن الرسالة؟ ألم تعرف فعلا آيات الله اليوم بما لم يعرفه السابقون؟ أليس هذا بدليل على أن القرآن كأنما يتنزّل اليوم على عصرنا بلغة علمنا ، ويتحدث إلينا بالبيّنة والبرهان ، كما كان يتحدث للسابقين؟ إذن فلو أرسل الرسول صلىاللهعليهوسلم اليوم فستكون معجزته هي القرآن نفسه كما نجده اليوم ، وكما نفهمه مصداقا لقول القرآن نفسه من أننا سنرى آيات الله فنعرفها ونعرف صدقه بها إعجازا من الله وحجة على الخلق أجمعين.
فما أعظمه من كتاب ، وما أعظمها من معجزة لم يكن مثلها لنبي أو رسول غير خاتم الأنبياء والمرسلين ، وهكذا يحق لأحد الكتّاب والمؤلفين أن يقول : «إن الكتاب الذي يحق له أن يحكم العالم لا بد أن يتّصف بأنه ليس بحاجة إلى تعديل أو إضافة لأن أحكامه يقينية ، بمعنى أن كلّ علاقة يعقدها بينه وبين الحياة لا بدّ أن تكون علاقة تخضع كل تجارب الناس ، وكل علاقاتهم بالحياة للفوز المبين المعقود على نواصي كلماته».
لكلّ ذلك فمهما بالغ المبالغون في وصف القرآن فإنهم لن يبلغوا حقه في وصفه ، أليس هو كلام الله ، والله ليس كمثله شيء ، فكيف يجب أن يكون وهو صفة من صفات الله في كلامه؟ ألم يصفه الرسول الكريم صلىاللهعليهوسلم وصفا ما بعده مجال لمبالغ في قول ، ولا لمتحدّث في خطاب حينما قال (كتاب الله تبارك وتعالى فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم ، هو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضلّه الله ، هو حبل الله المتين ونوره المبين والذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم ، وهو الذي لا تزيغ فيه الأهواء ولا تلتبس فيه الألسنة ولا تتشعب معه الآراء ، ولا يشبع منه العلماء ولا يملّه الأتقياء ، ولا يخلق على كثرة الرّد ، ولا تنقضي عجائبه ، وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته أن قالوا (إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً) [الجن / ١] من علم علمه سبق ، ومن قال به صدق ، ومن حكم به عدل ، ومن عمل به أجر ، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم).
فمهما حاولنا ، بقصور عقلنا البشري ، أن نصل إلى نهاية إعجازه في كل باب من أبواب الإعجاز العديدة فسنبقى في حدود قول الله تعالى (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء / ٨٥]. فإذا كنّا عن فهم حقيقة العالم والطبيعة والكون والحياة