والوجود عاجزين ، وهم من مادة الحياة والوجود نفسها التي نحن منها مخلوقون ، فكيف سنستطيع أن نفهم صفة من صفات الله تعالى حق فهمها وهي كلامه وكتابه ، وهما ليسا من مادة هذا الوجود ولا من طبيعة مادة الحياة والكون الذين قتلناهم بحثا وتعمّقا ، واستعملنا كل المختبرات والتلسكوبات والميكروسكوبات ، وصعدنا إلى أعماق الفضاء بأجهزتنا فضعنا في مداه الواسع اللانهائي ، وتعمقنا في مفردات الذرة وجسيماتها الأولية حتى عجزت وسائلنا ، على عظمتها ، أن تقودنا إلى الحقيقة ، في حين أن القرآن ، وبلغة وحروف البشر العادية نفسها ، يصف لنا نهاية هذه النظريات الكونية والذرّية ، ويصف لنا الحقيقة واضحة بيّنة. إن خالق الكون هو الذي يتحدّث عن كونه ، فهو الذي يعرف ما خلق ومن خلق (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك / ١٤] فإذا تحدّث فحديثه الصدق والحق والعدل ، وبذا يكون القرآن قد أجاب على كل الأسئلة التي طرحها العقل البشري على نفسه منذ أعماق الحضارة الإنسانية والفلسفة اليونانية حتى آخر التساؤلات التي يقف العلم المعاصر على عظمته مبهوتا بها. لقد تساءل الإنسان (بكيف) عن كثير من مفردات الطبيعة وظواهرها ، وأجاب القرآن عنها جوابا نهائيا لا لبس فيه ولا ضياع ، والتقى العلم المعاصر في إجابته مع ما قاله القرآن منذ ألف وأربعمائة سنة لقاء مباشرا. كما تساءل الإنسان عن ماهيّة الأشياء وحقيقتها ، وما هو الوهم ، وما هو الصدق فيها ، بعيدا عن هلوسات العقل وخرافاته ، فأجاب القرآن عنها منذ ألف وأربعمائة سنة ، وإذا بالعلم يلتقي مع آخر اكتشافاته ، وبعد جهد كلّف الإنسان كثيرا من حياته وماله وصحته مع ما قاله القرآن.
وكذلك بحث الإنسان عن نفس الإنسان وأعماقها ومشاعرها ، وألّف كتبا ووضع علوما لكل ذلك ، ومع أنه ما زال خاطئا وعاد خاسرا حيث تبخّرت حقائق النفس المفترضة لديه لم يجده البحث شيئا ، ولو عاد للقرآن لوجد الجواب الشافي عن كل أسئلته وتساؤلاته التي جعلته يضيع حياته وعمره سدى في هذا المجال ، في حين أن حكمة الله من خلقه كانت (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات / ٥٦] ، فلو عبده بما علّمه لأعطاه الله علم ما لم يعلم ، فهو قد كلّفه بالعبادة وأعطاه علمها ، فلو أدّى ما كلّف به لأعطاه الله حقيقة كل شيء من خلال هذه العبادة ، ولعلم أن علم الله أكبر من خلق الله ، ولا يحيط بعلمه شيء وهو يحيط بكل شيء ، وهكذا نرجع إلى ما قاله الله تعالى واصفا علمه بكلامه وكلامه بعلمه (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) [لقمان / ٢٧]. فليكفّ الإنسان عن أن يكون أكثر شيء جدلا ، ويسلّم أمره إلى الله فسيجد ربه بانتظاره حيث