في القرآن الكريم ، وهذا ما جعل الشيخ أحمد محيي الدين العجوز يقول في كتابه «معالم القرآن في عوالم الأكوان» ما يلي .. (١) «فأراد سبحانه أن يكون لنبيّه محمّد صلىاللهعليهوسلم الأسبقية في كل تقدّم وانطلاق ، فمهما تقدّم الناس في علومهم ، ومهما ترقّوا في فنونهم ، ومهما توصّلوا إليه في أعمالهم من وسائل النقل والأسفار ، ومهما ابتكروا من صنعة لاجتياز الأبعاد وارتقاء المعالي ، فإنّه خصّ نبيّه محمّدا صلىاللهعليهوسلم بأعظم من ذلك ، برحلة أرضية أسرع ، ورحلة سماوية أبلغ ، فلا يكون لغيره تفوّق في الانطلاق ، ولا تميّز في الارتقاء».
إن معجزة الإسراء والمعراج حدثت قبل أربعة عشر قرنا ، فما هي القيم المعنوية والاعتبارية فيها؟ وكيف فهمت هذه المعجزة آنذاك؟ وكيف كانت المعاني التعظيمية للرّسول صلىاللهعليهوسلم من قبل ربّه سبحانه وتعالى تفهم من قبل أولئك البشر الذين كانت استحالتها المطلقة تساوي الإيمان المطلق بها ، والتسليم بصدقها من قبل المؤمنين حقا حتى قيل إن الصدّيق أبا بكر سمّي صدّيقا لأنه أوّل من صدّق بها رغم استحالتها المطلقة في الذهن البشري الاعتيادي ، ولكن إيمانه كان أقوى من مفردات الاستحالة الطبيعية التي طرحتها هذه المعجزة عليه ، وبغضّ النظر عن معقوليتها من عدم معقوليتها ، بل وعدم القدرة على البرهنة على إمكانها حتى كمعجزة؟ أما مضمون تفسيره لتصديقه فهي ، كما جاءت الرواية التاريخية ، من أن (٢) «رجالا من المشركين سعوا إليه فقالوا : هل لك إلى صاحبك يزعم أنّه أسري به إلى بيت المقدس؟ قال : وقد قال ذلك؟ قالوا : نعم ، قال : لئن قال ذلك لقد صدق ، قالوا : أتصدّقه أنه ذهب إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ قال : نعم إني لاصدّقه فيما هو أبعد من ذلك ، أصدّقه في خبر السماء في غدوة وروحة» ، على أن البعض من ضعاف الإيمان من المسلمين ارتدّوا بعد حديث الإسراء لقلّة إيمانهم ، وعدم قدرة عقولهم على مجرّد التصديق بالانتقال من مكّة إلى القدس والعودة في ليلة واحدة ، فكيف بخبر السماوات السبع وما فوقهن؟. فما هو الإسراء والمعراج؟ وما هي الآيات والأحاديث الدالة عليه؟ وكيف فسّرها وفهمها الأقدمون قبلنا؟
يقول القاضي عياض ، في باب كرامة الإسراء ، في كتابه الشفا في أحوال المصطفى (٣) «ومن خصائصه صلىاللهعليهوسلم قصة الإسراء وما انطوت عليه من درجات الرفعة ،
__________________
(١) معالم القرآن في عوالم الأكوان ـ أحمد محيي الدين العجوز ص ١٥٥.
(٢) محمّد ـ محمّد رشيد رضا ، ص ١٧٧.
(٣) الشفا في أحوال المصطفى ، القاضي عياض ، ج ٢ ، ص ٣٤٣.