ونستقبل القوم بوجه واحد؟ فقالوا له : بلى هذا ذو جشم وهو جبل الى جنبك فمل اليه عن يسارك فان سبقت اليه فهو كما تريد ، فأخذ اليه ذات اليسار وملنا معه ، فما كان بأسرع من ان طلعت علينا هوادي (١) الخيل فتبيناها وعدلنا ، فلما رأونا عدلنا عن الطريق عدلوا الينا كأن اسنتهم اليعاسيب (٢) وكأن راياتهم أجنحة الطير ، فاستبقنا الى ذي جشم (خشب خ ل) فسبقناهم اليه ، وأمر الحسين عليهالسلام بابنيته فضربت ، وجاء القوم زهاء (٣) ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي حتى وقف هو وخيله مقابل الحسين عليهالسلام في حر الظهيرة والحسين عليهالسلام وأصحابه معتمون متقلدوا أسيافهم ، فقال الحسين عليهالسلام لفتيانه : اسقوا القوم وارووهم من الماء. ورشفوا الخيل ترشيفا أي أسقوها قليلا ، فأقبلوا يملأون القصاع والطساس من الماء ثم يدنونها من الفرس فاذا عب فيها ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت عنه وسقوا آخر حتى سقوها عن آخرها ، فقال علي بن الطعان المحاربي : كنت مع الحر يومئذ فجئت في آخر من جاء من أصحابه ، فلما رأى الحسين عليهالسلام ما بي وبفرسي من العطش قال : انخ الرواية والرواية عندي السقاء ، ثم قال : يا ابن الأخ انخ الجمل فانخته (٤) ، فقال : اشرب ، فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء فقال الحسين عليهالسلام : اخنث السقاء أي أعطفه ، فلم أدر كيف أفعل ، فقام فخنثه بيده فشربت وسقيت فرسي ، وكانت ملاقاة الحر للحسين عليهالسلام على مرحلتين من الكوفة.
ولما التقى الحر مع الحسين عليهالسلام قال له الحسين عليهالسلام : النا ام
__________________
(١) جمع هادي وهو العنق (منه).
(٢) جمع يعسوب وهو أمير النحل وذكرها وضرب من الحجلان وطائر صغير (منه).
(٣) أي قدر (منه).
(٤) الرواية في لسان أهل الحجاز اسم للجمل الذي يستقي عليه. وفي لسان أهل العراق اسم للسقاء الذي فيه الماء ، فلذلك لم يفهم مراد الحسين عليهالسلام حتى قال له : انخ الجمل (منه).