(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ (٣٤) فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (٣٥) إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (٣٦) إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (٣٧) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) (٣٨)
____________________________________
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) حكم يعم كل من مات على الكفر وإن صح نزوله فى أصحاب القليب (فَلا تَهِنُوا) أى لا تضعفوا (وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) أى ولا تدعوا الكفار إلى الصلح خورا فإن ذلك إعطاء الدنية ويجوز أن يكون منصوبا بإضمار أن على جواب النهى وقرىء ولا تدعوا من ادعى القوم بمعنى تداعوا نحو ارتموا الصيد وتراموه ومنه تراءوا الهلال فإن صيغة التفاعل قد يراد بها صدور الفعل عن المتعدد من غير اعتبار وقوعه عليه ومنه قوله تعالى (عَمَّ يَتَساءَلُونَ) على أحد الوجهين والفاء لترتيب النهى على ما سبق من الأمر بالطاعة وقوله تعالى* (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) جملة حالية مقررة لمعنى النهى مؤكدة لوجوب الانتهاء وكذا قوله تعالى (وَاللهُ مَعَكُمْ) فإن كونهم الأعلين وكونه عزوجل ناصرهم من أقوى موجبات الاجتناب عما يوهم الذل والضراعة* وكذا توفيته تعالى لأجور الأعمال حسبما يعرب عنه قوله تعالى (وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ) أى ولن يضيعها من وترت الرجل إذا قتلت له قتيلا من ولد أو أخ أو حميم فأفردته عنه من الوتر الذى هو الفرد وعبر عن ترك الإثابة فى مقابلة الأعمال بالوتر الذى هو إضاعة شىء معتد به من الأنفس والأموال مع أن الأعمال غير موجبة للثواب على قاعدة أهل السنة إبرازا لغاية اللطف بتصوير الثواب بصورة الحق المستحق وتنزيل ترك الإثابة منزلة إضاعة أعظم الحقوق وإتلافها وقد مر فى قوله تعالى (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ) (إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) لا ثبات لها ولا اعتداد بها (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ) أى ثواب إيمانكم وتقواكم من الباقيات الصالحات التى يتنافس فيها* المتنافسون (وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ) بحيث يخل أداؤها بمعاشكم وإنما اقنصر على نزر يسير منها هو ربع العشر تؤدونها إلى فقرائكم (إِنْ يَسْئَلْكُمُوها) أى أموالكم (فَيُحْفِكُمْ) أى يجهدكم بطلب الكل فإن* الإحفاء والإلحاف المبالغة وبلوغ الغاية يقال أحفى شاربه إذا استأصله (تَبْخَلُوا) فلا تعطوا (وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ) أى أحقادكم وضمير يخرج لله تعالى ويعضده القراءة بنون العظمة أو للبخل لأنه سبب الأضغان وقرىء يخرج من الخروج بالياء والتاء مسندا إلى الأضغان (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) أى أنتم أيها المخاطبون