(إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (٢٦)
____________________________________
محذوف لدلالة الكلام عليه والمعنى لو لا كراهة أن تهلكوا ناسا مؤمنين بين الكافرين غير عالمين بهم* فيصيبكم بذلك مكروه لما كف أيديكم عنهم وقوله تعالى (لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ) متعلق بما يدل عليه الجواب المحذوف كأنه قيل عقيبه لكن كفها عنهم ليدخل بذلك الكف المؤدى إلى الفتح بلا محذور* فى رحمته الواسعة بقسميها (مَنْ يَشاءُ) وهم المؤمنون فإنهم كانوا خارجين من الرحمة الدنيوية التى من جملتها الأمن مستضعفين تحت أيدى الكفرة وأما الرحمة الأخروية فهم وإن كانوا غير محرومين منها بالمرة لكنهم كانوا قاصرين فى إقامة مراسم العبادة كما ينبغى فتوفيقهم لإقامتها على الوجه الأتم إدخال لهم فى الرحمة الأخروية وقد جوز أن يكون من يشاء عبارة عمن رغب فى الإسلام من المشركين* ويأباه قوله تعالى (لَوْ تَزَيَّلُوا) الخ فإن فرض التزيل وترتيب التعذيب عليه يقتضى تحقق الباينة بين الفريقين بالإيمان والكفر قبل التزيل حتما أى لو تفرقوا وتميز بعضهم من بعض وقرىء لو تزايلوا* (لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) بقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم والجملة مستأنفة مقررة لما قبلها (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا) منصوب باذكر على المفعولية أو بعذبنا على الظرفية وقيل بمضمر هو أحسن الله إليكم وأيا ما كان فوضع الموصول موضع ضمير هم لذمهم بما فى حيز الصلة وتعليل الحكم به والجعل* إما بمعنى الإلقاء فقوله تعالى (فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ) أى الأنفة والتكبر متعلق به أو بمعنى التصيير فهو متعلق* بمحذوف هو مفعول ثان له أى جعلوها ثابتة راسخة فى قلوبهم (حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ) بدل من الحمية أى حمية الملة* الجاهلية أو الحمية الناشئة من الجاهلية وقوله تعالى (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) على الأول عطف على جعل والمراد تذكير حسن صنيع الرسول صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين بتوفيق الله تعالى وسوء صنيع الكفرة وعلى الثانى على ما يدل عليه الجملة الامتناعية كأنه قيل لم يتزيلوا فلم نعذب فأنزل الخ وعلى الثالث على المضمر تفسير له والسكينة الثبات والوقار يروى أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما نزل الحديبية بعث قريش سهيل بن عمرو القرشى وحويطب بن عبد العزى ومكرز ابن حفص بن الأحنف على أن يعرضوا على النبى صلىاللهعليهوسلم أن يرجع من عامه ذلك على أن تخلى له قريش مكة من العام القابل ثلاثة أيام ففعل ذلك وكتبوا بينهم كتابا فقال عليه الصلاة والسلام لعلى رضى الله عنه اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقالوا ما نعرف ما هذا اكتب باسمك اللهم ثم قال اكتب هذا ما صالح عليه رسول الله أهل مكة فقالوا لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت وما قاتلناك اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله أهل مكة فقال صلىاللهعليهوسلم اكتب* ما يريدون فهم المؤمنون أن يأبوا ذلك ويبطشوا بهم فأنزل الله السكينة عليهم فتوقروا وحلموا (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى) أى كلمة الشهادة أو بسم الله الرحمن الرحيم أو محمد رسول الله وقيل كلمة التقوى هى* الوفاء بالعهد والثبات عليه وإضافتها إلى التقوى لأنها سبب التقوى وأساسها أو كلمة أهلها (وَكانُوا