لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (٢٧) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) (٢٨)
____________________________________
أَحَقَّ بِها) متصفين بمزيد استحقاق لها على أن صيغة التفضيل للزيادة مطلقا وقيل أحق بها من الكفار (وَأَهْلَها) أى المستأهل لها (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) فيعلم حق كل شىء فيسوقه إلى مستحقه (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا) رأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبل خروجه إلى الحديبية كأنه وأصحابه قد دخلوا مكة آمنين وقد حلقوا رؤسهم وقصروا فقص الرؤيا على أصحابه ففرحوا واستبشروا وحسبوا أنهم داخلوها فى عامهم فلما تأخر ذلك قال عبد الله بن أبى وعبد الله بن نفيل ورفاعة بن الحرث والله ما حلقنا ولا قصرنا ولا رأينا المسجد الحرام فنزلت أى صدقه صلىاللهعليهوسلم فى رؤياه كما فى قولهم صدقنى سن بكره وتحقيقه أراه الرؤيا الصادقة وقوله تعالى (بِالْحَقِّ) إما صفة لمصدر مؤكد محذوف أى صدقا* ملتبسا بالحق أى بالغرض الصحيح والحكمة البالغة التى هى التمييز بين الراسخ فى الإيمان والمتزلزل فيه أو حال من الرؤيا أى ملتبسة بالحق ليست من قبيل أضغاث الأحلام وقد جوز أن يكون قسما بالحق الذى هو من أسماء الله تعالى أو بنقيض الباطل وقوله تعالى (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) جوابه* وهو على الأولين جواب قسم محذوف أى والله لتدخلن الخ وقوله تعالى (إِنْ شاءَ اللهُ) تعليق للعدة* بالمشيئة لتعليم العباد أو للإشعار بأن بعضهم لا يدخلونه لموت أو غيبة أو غير ذلك أو هى حكاية لما قاله ملك الرؤيا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أو لما قاله عليه الصلاة والسلام لأصحابه (آمِنِينَ) * حال من فاعل لتدخلن والشرط معترض وكذا قوله تعالى (مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) أى محلقا* بعضكم ومقصرا آخرون وقيل محلقين حال من ضمير آمنين فتكون متداخلة (لا تَخافُونَ) حال مؤكدة* من فاعل لتدخلن أو آمنين أو محلقين أو مقصرين أو استئناف أى لا تخافون بعد ذلك (فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا) * عطف على صدق والمراد بعلمه تعالى العلم الفعلى المتعلق بأمر حادث بعد المعطوف عليه أى فعلم عقيب ما أراه الرؤيا الصادقة ما لم تعلموا من الحكمة الداعية إلى تقديم ما يشهد بالصدق علما فعليا (فَجَعَلَ) * لأجله (مِنْ دُونِ ذلِكَ) أى من دون تحقق مصداق ما رأه من دخول المسجد الحرام الخ (فَتْحاً قَرِيباً) * وهو فتح خيبر والمراد بجعله وعده وإنجازه من غير تسويف ليستدل به على صدق الرؤيا حسبما قال ولتكون آية للمؤمنين وأما جعل ما فى قوله تعالى (ما لَمْ تَعْلَمُوا) عبارة عن الحكمة فى تأخير فتح مكة إلى العام القابل كما جنح إليه الجمهور فتأباه الفاء فإن علمه تعالى بذلك متقدم على إراءة الرؤيا قطعا (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى) أى ملتبسا به أو بسببه ولأجله (وَدِينِ الْحَقِّ) وبدين الإسلام (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) ليعليه على جنس الدين بجميع أفراده التى هى الأديان المختلفة بنسخ ما كان حقا من بعض