(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (٢٩)
____________________________________
الأحكام المتبدلة بتبدل الأعصار وإظهار بطلان ما كان باطلا أو بتسليط المسلمين على أهل سائر الأديان إذ ما من أهل دين إلا وقد قهرهم المسلمون وفيه فضل تأكيد لما وعد من الفتح وتوطين لنفوس المؤمنين على أنه سبحانه سيفتح لهم من البلاد ويتيح لهم من الغلبة على الأقاليم ما يستقلون إليه* فتح مكة (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) على أن ما وعده كائن لا محالة أو على نبوته عليه الصلاة والسلام بإظهار المعجزات (مُحَمَّدٌ) خبر مبتدأ محذوف وقوله تعالى (رَسُولُ اللهِ) بدل أو بيان أو نعت أى ذلك الرسول المرسل بالهدى ودين الحق محمد رسول الله وقيل محمد متبدأ رسول الله خبره والجملة مبينة* للمشهود به وقوله تعالى (وَالَّذِينَ مَعَهُ) مبتدأ خبره (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) وأشداء جمع شديد ورحماء جمع رحيم والمعنى أنهم يظهرون لمن خالف دينهم الشدة والصلابة ولمن وافقهم فى الدين الرحمة والرأفة كقوله تعالى (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) وقرىء أشداء ورحماء بالنصب* على المدح أو على الحال من المستكن فى معه لوقوعه صلة فالخبر حينئذ قوله تعالى (تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً) أى تشاهدهم حال كونهم راكعين ساجدين لمواظبتهم على الصلوات وهو على الأول خبر آخر أو* استئناف وقوله تعالى (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً) أى ثوابا ورضا إما خبر آخر أو حال من ضمير تراهم أو من المستتر فى ركعا سجدا أو استئناف مبنى على سؤال نشأ من بيان مواظبتهم على* الركوع والسجود كأنه قيل ماذا يريدون بذلك فقيل يبتغون فضلا من الله الخ (سِيماهُمْ) أى سمتهم وقرىء سيمياؤهم بالياء بعد الميم والمد وهما لغتان وفيها لغة ثالثة هى السيماء بالمد وهو مبتدأ خبره* (فِي وُجُوهِهِمْ) أى فى جباههم وقوله تعالى (مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) حال من المستكن فى الجار أى من التأثير الذى يؤثره كثرة السجود وما روى عن النبى صلىاللهعليهوسلم من قوله عليه الصلاة والسلام لا تعلبوا صوركم أى لا تسموها إنما هو فيما إذا اعتمد بجبهته على الأرض ليحدث فيها تلك السمة وذلك محض رياء ونفاق والكلام فيما حدث فى جبهة السجاد الذى لا يسجد إلا خالصا لوجه الله عزوجل كان الإمام زين العابدين وعلى بن عبد الله بن العباس رضى الله عنهما يقال لهما ذو الثفنات لما أحدثت كثرة سجودهما فى مواقعه منهما أشباه ثفنات البعير قال قائلهم[ديار على والحسين وجعفر * وحمزة والسجاد ذى الثفنات] وقيل صفرة الوجه من خشية الله تعالى وقيل ندى الطهور وتراب الأرض وقيل استنارة وجوههم من طول ما صلوا بالليل قال عليه الصلاة والسلام من كثرت صلاته بالليل* حسن وجهه بالنهار وقرىء من آثار السجود ومن إثر السجود بكسر الهمزة (ذلِكَ) إشارة إلى ما ذكر