(الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى (٣٢) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (٣٣) وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى) (٣٤)
____________________________________
(الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ) بدل من الموصول الثانى وصيغة الاستقبال فى صلته للدلالة على تجدد الاجتناب واستمراره أو بيان أو نعت أو منصوب على المدح وكبائر الإثم ما يكبر عقابه من الذنوب* وهو ما رتب عليه الوعيد بخصوصه وقرىء كبير الإثم على إرادة الجنس أو الشرك (وَالْفَواحِشَ) وما* فحش من الكبائر خصوصا (إِلَّا اللَّمَمَ) أى إلا ما قل وصغر فإنه مغفور ممن يجتنب الكبائر قيل هى النظرة والغمزة والقبلة وقيل هى الخطرة من الذنب وقيل كل ذنب لم يذكر الله عليه حدا ولا عذابا* وقيل عادة النفس الحين بعد الحين والاستثناء منقطع (إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ) حيث يغفر الصغائر باجتناب الكبائر فالجملة تعليل لاستثناء اللمم وتنبيه على أن إخراجه عن حكم المؤاخذة به ليس لخلوه عن الذنب فى نفسه بل لسعة المغفرة الربانية وقيل المعنى له أن يغفر لمن يشاء من المؤمنين ما يشاء من الذنوب صغيرها وكبيرها لعل تعقيب وعد المسييئين ووعد المحسنين بذلك حينئذ لئلا ييأس صاحب* الكبيرة من رحمته تعالى ولا يتوهم وجوب العقاب عليه تعالى (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ) أى بأحولكم يعلمها* (إِذْ أَنْشَأَكُمْ) فى ضمن إنشاء أبيكم آدم عليهالسلام (مِنَ الْأَرْضِ) إنشاء إجماليا حسبما مر تقريره* مرارا (وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ) أى وقت كونكم أجنة (فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) على أطوار مختلفة مترتبة لا يخفى عليه حال من أحوالكم وعمل من أعمالكم التى من جملتها اللمم الذى لو لا المغفرة الواسعة لأصابكم* وباله فالجملة استئناف مقرر لما قبلها والفاء فى قوله تعالى (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) لترتيب النهى عن تزكية النفس على ما سبق من أن عدم المؤاخذة باللمم ليس لعدم كونه من قبيل الذنوب بل لمحض مغفرته تعالى مع علمه بصدوره عنكم أى إذا كان الأمر كذلك فلا تثنوا عليها بالطهارة عن المعاصى بالكلية* أو بما يستلزمها من زكاء العمل ونماء الخير بل اشكروا الله تعالى على فضله ومغفرته (هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) المعاصى جميعا وهو استئناف مقرر للنهى ومشعر بأن فيهم من يتقيها بأسرها وقيل كان ناس يعملون أعمالا حسنة ثم يقولون صلاتنا وصيامنا وحجنا فنزلت وهذا إذا كان بطريق الإعجاب أو الرياء فأما من اعتقد أن ما عمله من الأعمال الصالحة من الله تعالى وبتوفيقه وتأييده ولم يقصد به التمدح لم يكن من المزكين أنفسهم فإن المسرة بالطاعة طاعة وذكرها شكر (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى) أى عن اتباع الحق والثبات عليه (وَأَعْطى قَلِيلاً) أى شيئا قليلا أو إعطاء قليلا (وَأَكْدى) أى قطع العطاء