(أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى (٣٥) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى (٣٦) وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧) أَلاَّ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (٣٨) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى) (٣٩)
____________________________________
من قولهم أكدى الحافر إذا بلغ الكدية أى الصلابة كالصخرة فلا يمكنه أن يحفر قالوا نزلت فى الوليد ابن المغيرة كان يتبع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فعيره بعض المشركين وقال له تركت دين الأشياخ وضللتهم فقال أخشى عذاب الله فضمن أن يتحمل عنه العذاب إن أعطاه بعض ماله فارتد وأعطاه بعض المشروط وبخل بالباقى وقيل نزلت فى العاص بن وائل السهمى لما كان يوافق النبى عليه الصلاة والسلام فى بعض الأمور وقيل فى أبى جهل كان ربما يوافق الرسول عليه الصلاة والسلام فى بعض الأمور وكان يقول والله ما يأمرنا محمد إلا بمكارم الأخلاق وذلك قوله تعالى (وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى) والأول هو الأشهر المناسب لما بعده من قوله تعالى (أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى) الخ أى أعنده علم بالأمور الغيبية التى من جملتها تحمل صاحبه عنه يوم القيامة (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى) (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) أى وفر وأتم ما ابتلى به من الكلمات أو أمر به أو بالغ فى الوفاء بما عاهد الله وتخصيصه بذلك لاحتماله ما لم يحتمله غيره كالصبر على نار نمروذ حتى إذا أنه أتاه جبريل عليهالسلام حين يلقى فى النار فقال ألك حاجة فقال أما إليك فلا وعلى ذبح الولد ويروى أنه كان يمشى كل يوم فرسخا يرتاد ضيفا فإن وافقه أكرمه وإلا نوى الصوم وتقديم موسى لما أن صحفه التى هى التوراة أشهر عندهم وأكثر (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) أى أنه لا تحمل نفس من شأنها الحمل حمل نفس أخرى على أن أن هى المخففة من الثقيلة وضمير الشأن الذى هو اسمها محذوف والجملة المنفية خبرها ومحل الجملة الجر على أنها بدل مما فى صحف موسى أو الرفع على أنها خبر مبتدأ محذوف كأنه قيل ما فى صحفهما فقيل هو أن لا تزر الخ والمعنى أنه لا يؤاخذ أحد بذنب غيره ليتخلص الثانى عن عقابه ولا يقدح فى ذلك قوله عليه الصلاة والسلام من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة فإن ذلك وزر الإضلال الذى هو وزره وقوله تعالى (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) بيان لعدم انتفاع الإنسان بعمل غيره من حيث جلب النفع إليه إثر بيان عدم انتفاعه به من حيث دفع الضرر عنه وأما شفاعة الأنبياء عليهمالسلام واستغفار الملائكة عليهمالسلام ودعاء الأحياء للأموات وصدقتهم عنهم وغير ذلك مما لا يكاد يحصى من الأمور النافعة للإنسان مع أنها ليست من عمله قطعا فحيث كان مناط منفعة كل منها عمله الذى هو الإيمان والصلاح ولم يكن لشىء منها نفع ما بدونه جعل النافع نفس عمله وإن