(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (٤٥) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ(٤٦) إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ) (٤٧)
____________________________________
الموصول الثانى باعتبار اتصافه بما فى حيز صلته وملاحظة ما أثبت له وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه للإيذان ببعد منزلته فى الشرمع ما فيه من كمال المناسبة للنداء من بعيد أى أولئك البعداء الموصوفون بما ذكر من التصام عن الحق الذى يسمعونه والتعامى عن الآيات الظاهرة التى يشاهدونها (يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) تمثيل لهم فى عدم قبولهم واستماعهم له بمن ينادى من مسافة نائية لا يكاد يسمع من مثلها الأصوات (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ) كلام مستأنف مسوق لبيان أن الاختلاف فى شأن الكتب عادة قديمة للأمم غير مختص بقومك على منهاج قوله تعالى (ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ) أى وبالله لقد آتيناه التوراة فاختلف فيها فمن مصدق لها ومكذب وهكذا حال قومك فى شأن ما آتيناك من القرآن فمن مؤمن به وكافر (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) فى حق* أمتك المكذبة وهى العدة بتأخير عذابهم وفصل ما بينهم وبين المؤمنين من الخصومة إلى يوم القيامة بنحو قوله تعالى (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ) وقوله تعالى (وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى* (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) باستئصال* المكذبين كما فعل بمكذبى الأمم السالفة (وَإِنَّهُمْ) أى كفار قومك (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) أى من القرآن وجعل الضمير الأول لليهود والثانى للتوراة مما لا وجه له (مَنْ عَمِلَ صالِحاً) بأن آمن بالكتب وعمل بموجبها (فَلِنَفْسِهِ) أى فلنفسه يعمله أو فنفعه لنفسه لا لغيره (وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) ضرره لا على غيره (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) اعتراض تذييلى مقرر لمضمون ما قبله مبنى على تنزيل ترك إثابة المحسن* بعمله أو إثابة الغير بعمله وتنزيل التعذيب بغير إساءة أو بإساءة غيره منزلة الظلم الذى يستحيل صدوره عنه سبحانه وتعالى وقد مر ما فى المقام من التحقيق والتفصيل فى سورة آل عمران وسورة الأنفال (إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ) أى إذا سئل عنها يقال الله يعلم أو لا يعلمها إلا الله تعالى (وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها) أى من أوعيتها جمع كم بالكسر وهو وعاء الثمرة كجف الطلعة وقرىء من ثمرة على إرادة الجنس والجمع لاختلاف الأنواع وقد قرىء بجمع الضمير أيضا وما نافية ومن الأولى مزيدة للاستغراق واحتمال أن تكون ما موصولة معطوفة على الساعة ومن مبينة بعيد (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ) أى حملها وقوله تعالى (إِلَّا بِعِلْمِهِ) استثناء مفرغ من أعم الأحوال أى وما يحدث شىء