(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٠) سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (٣١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٢) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ) (٣٣)
____________________________________
إليه فى ذواتهم ووجوداتهم حدوثا وبقاء وسائر أحوالهم سؤالا مستمرا بلسان المقال أو بلسان الحال فإنهم كفة من حيث حقائقهم الممكنة بمعزل من استحقاق الوجود وما يتفرع عليه من الكمالات بالمرة بحيث لو انقطع ما بينهم وبين العناية الإلهية من العلاقة لم يشموا رائحة الوجود أصلافهم فى كل آن مستمرون على الاستدعاء والسؤال وقد مر فى تفسير قوله تعالى (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) من سورة إبراهيم عليهالسلام (كُلَّ يَوْمٍ) أى كل وقت من الأوقات (هُوَ فِي شَأْنٍ) من الشؤن التى* من جملتها إعطاء ما سألوا فإنه تعالى لا يزال ينشىء أشخاصا ويفنى آخرين ويأتى بأحوال ويذهب بأحوال حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم البالغة وفى الحديث من شأنه أن يغفر ذنبا ويفرج كربا ويرفع قوما ويضع آخرين قبل وفيه رد على اليهود حيث يقولون إن الله لا يقضى يوم السبت شيئا (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) مع مشاهدتكم لما ذكر من إحسانه (سَنَفْرُغُ لَكُمْ) أى سنتجرد لحسابكم وجزائكم وذلك يوم القيامة عند انتهاء شؤن الخلق المشار إليها بقوله تعالى (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) فلا يبقى حينئذ إلا شأن واحد هو الجزاء فعبر عنه بالفراغ لهم بطريق التمثيل وقيل هو مستعار من قول المتهدد لصاحبه سأفرغ لك أى سأتجرد للإيقاع بك من كل ما يشغلنى عنه والمراد التوفر على النكاية فيه والانتقام منه وقرىء سيفرغ مبنيا للفاعل وللمفعول وقرىء سنفرغ إليكم أى سنقصد إليكم (أَيُّهَ الثَّقَلانِ) هما الإنس والجن سميا بذلك لثقلهما على الأرض أو لرزانة آرائهما أو لأنهما مثقلان* بالتكليف (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما) التى من جملتها التنبيه على ما سيلقونه يوم القيامة للتحذير عما يؤدى إلى سوء الحساب (تُكَذِّبانِ) بأقوالكما وأعمالكما (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) هما الثقلان خوطبا باسم جنسهما لزيادة التقرير ولأن الجن مشهورون بالقدرة على الأفاعيل الشاقة فخوطبوا بما ينبىء عن ذلك لبيان أن قدرتهم لا تفى بما كلفوه (إِنِ اسْتَطَعْتُمْ) إن قدرتم على (أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) * أى أن تهربوا من قضائى وتخرجوا من ملكوتى ومن أقطار سمواتى وأرضى (فَانْفُذُوا) منها وخلصوا* أنفسكم من عقابى (لا تَنْفُذُونَ) لا تقدرون على النفوذ (إِلَّا بِسُلْطانٍ) أى بقوة وقهر وأنتم من ذلك* بمعزل بعيد روى أن الملائكة تنزل فتحيط بالخلائق فإذا رآهم الجن والإنس هربوا فلا يأتون وجها