(لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٣) لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (١٤) كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١٥)
____________________________________
من أقوالهم على التفصيل بعد تكذيبهم فى الكل على الإجمال (وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ) وكان الأمر* كذلك فإن ابن أبى وأصحابه أرسلوا إلى بنى النضير ذلك سرا ثم أخلفوهم وفيه حجة بينة لصحة النبوة وإعجاز القرآن (وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ) على الفرض والتقدير (لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ) فرارا (ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) أى* المنافقون بعد ذلك أى يهلكهم الله ولا ينفعهم نفاقهم لظهور كفرهم أو ليهزمن اليهود ثم لا ينفعهم نصرة المنافقين (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً) أى أشد مرهوبية على أنها مصدر من المبنى للمفعول (فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ) أى رهبتهم منكم فى السر أشد مما يظهرونه لكم من رهبة الله فإنهم كانوا يدعون عندهم رهبة عظيمة من الله تعالى (ذلِكَ) أى ما ذكر من كون رهبتهم منكم أشد من رهبة الله (بِأَنَّهُمْ) بسبب أنهم (قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) * أى شيئا حتى يعلموا عظمة الله تعالى فيخشوه حق خشيته (لا يُقاتِلُونَكُمْ) أى اليهود والمنافقون بمعنى لا يقدرون على قتالكم (جَمِيعاً) أى مجتمعين متفقين فى موطن من المواطن (إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ) بالدروب* والخنادق (أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ) دون أن يصحروا لكم ويبارزوكم لفرط رهبتهم وقرىء جدر بالتخفيف* وقرىء جدار وبإمالة فتحة الدال وجدر وجدر وهما الجدار (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ) استئناف سيق لبيان* أن ما ذكر من رهبتهم ليس لضعفهم وجبنهم فى أنفسهم فإن بأسهم بالنسبة إلى أقرانهم شديد وإنما ضعفهم وجبنهم بالنسبة إليكم بما قذف الله تعالى فى قلوبهم من الرعب (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً) مجتمعين متفقين (وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) متفرقة لا ألفة بينها (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ) أى ما ذكر من تشتت قلوبهم بسبب أنهم (قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) أى* لا يعقلون شيئا حتى يعرفوا الحق ويتبعوه وتطمئن به قلوبهم وتتحد كلمتهم ويرموا عن قوس واحدة فيقعون فى تيه الضلال وتتشتت قلوبهم حسب تشتت طرقه وتفرق فنونه وأما ما قيل من أن المعنى لا يعقلون أن تشتت القلوب مما يوهن قواهم فبمعزل من السداد وقوله تعالى (كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) خبر مبتدأ محذوف تقديره مثلهم أى مثل المذكورين من اليهود والمنافقين كمثل أهل بدر أو بنى قينقاع على ما قيل إنهم أخرجوا قبل بنى النضير (قَرِيباً) فى زمان قريب وانتصابه بمثل ذا التقدير كوقوع* مثل الخ (ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ) أى سوء عاقبة كفرهم فى الدنيا (وَلَهُمْ) فى الآخرة (عَذابٌ أَلِيمٌ) * لا يقادر قدره والمعنى أن حال هؤلاء كحال أولئك فى الدنيا والآخرة لكن لا على أن حال كلهم كحالهم بل حال بعضهم الذين هم اليهود كذلك وأما حال المنافقين فهى ما نطق به.