إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير أبي السّعود [ ج ٨ ]

263/271
*

(أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى (٦) لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (٧) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (٨) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً) (٩)

____________________________________

وقوله تعالى (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ) استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ مما قبله من الحث على التقوى كأنه قيل كيف نعمل بالتقوى فى شأن المعتدات فقيل أسكنوهن مسكنا من حيث سكنتم أى بعض مكان سكناكم وقوله تعالى (مِنْ وُجْدِكُمْ) أى من وسعكم أى مما تطيقونه عطف بيان لقوله* (مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ) وتفسير له (وَلا تُضآرُّوهُنَّ) أى فى السكنى (لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ) وتلتجئوهن إلى* الخروج (وَإِنْ كُنَّ) أى المطلقات (أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) فيخرجن من* العدة أما المتوفى عنهن أزواجهن فلا نفقة لهن (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ) بعد ذلك (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) * على الإرضاع (وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ) أى تشاوروا وحقيقته ليأمر بعضكم بعضا بجميل فى* الأرضاع والأجر ولا يكن من الأب مماكسة ولا من الأم معاسرة (وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ) أى تضايقتم (فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى) أى فستوجد ولا تعوز مرضعة أخرى وفيه معاتبة للأم على المعاسرة (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ) وإن قل أى لينفق كل واحد من الموسر والمعسر ما يبلغه وسعه (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) جل أو قل فإنه تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها وفيه تطييب* لقلب المعسر وترغيب له فى بذل مجهوده وقد أكد ذلك بالوعد حيث قيل (سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) * أى عاجلا أو آجلا (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ) أى كثير من أهل قرية (عَتَتْ) أى أعرضت (عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ) بالعتو والتمرد والعناد (فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً) بالاستقصاء والتنقير والمناقشة فى كل نقير* وقطمير (وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً) أى منكرا عظيما وقرىء نكرا والمراد حساب الآخرة وعذابها* والتعبير عنهما بلفظ الماضى للدلالة على تحققهما كما فى قوله تعالى (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ) (فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً) هائلا لا خسر وراءه.