(فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٣٦) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧) وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩) وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (٤٠)
____________________________________
(فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ) مما ترغبون وتتنافسون فيه (فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) أى فهو متاعها تتمتعون به* مدة حياتكم (وَما عِنْدَ اللهِ) من ثواب الآخرة (خَيْرٌ) ذاتا لخلوص نفعه (وَأَبْقى) زمانا حيث* لا يزول ولا يفنى (لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) لا على غيره أصلا والموصول الأول لما كان متضمنا لمعنى الشرط من حيث أن إيتاء ما أوتوا سبب للتمتع بها فى الحياة الدنيا دخلت جوابها الفاء بخلاف الثانى وعن على رضى الله عنه أنه تصدق أبو بكر رضى الله عنه بماله فلامه جمع من المسلمين فنزلت وقوله تعالى (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ) أى الكبائر من هذا الجنس (وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) مع ما بعده عطف على الذين آمنوا أو مدح بالنصب أو الرفع وبناء يغفرون على الضمير خبرا له للدلالة على أنهم الأخصاء بالمغفرة حال الغضب لعزة منالها وقرىء كبير الإثم وعن ابن عباس رضى الله عنهما كبير الإثم الشرك (وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ) نزل فى* الأنصار دعاهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى الإيمان فاستجابوا له (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) أى ذو شورى لا ينفردون برأى حتى يتشاوروا ويجتمعوا عليه وكانوا قبل الهجرة وبعدها إذا حزبهم* أمر اجتمعوا وتشاوروا (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) أى فى سبيل الخير ولعل فصله عن قرينه بذكر المشاورة لوقوعها عند اجتماعهم للصلوات (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) أى ينتقمون ممن بغى عليهم على ما جعله الله تعالى لهم كراهة التذلل وهو وصف لهم بالشجاعة بعد وصفهم بسائر مهمات الفضائل وهذا لا ينافى وصفهم بالغفران فإن كلا منهما فضيلة محمودة فى موقع نفسه ورذيلة مذمومة فى موقع صاحبه فإن الحلم عن العاجز وعوراء الكرام محمود وعن المتغلب ولغواء اللئام مذموم فإنه إغراء على البغى وعليه قول من قال[إذا أنت أكرمت الكريم ملكته * وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا] * [فوضع الندى فى موضع السيف بالعلا * مضر كوضع السيف فى موضع الندى] وقوله تعالى (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) بيان لوجه كون الانتصار من الخصال الحميدة مع كونه فى نفسه إساءة إلى الغير بالإشارة إلى أن البادىء هو الذى فعله لنفسه فإن الأفعال مستتبعة لأجزيتها حتما إن خيرا فخيرا وإن شرا فشر وفيه تنبيه على حرمة التعدى وإطلاق السيئة على الثانية