(يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٣١) وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٢) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ لْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٣٣)
____________________________________
(يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ) أرادوا به ما سمعوه من الكتاب وصفوه بالدعوة إلى الله تعالى بعد ما وصفوه بالهداية إلى الحق والصراط المستقيم لتلازمهما دعوهم إلى ذلك بعد بيان حقيته واستقامته ترغيبا لهم فى الإجابة ثم أكدوه بقولهم (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) أى بعض ذنوبكم وهو ما كان فى* خالص حق الله تعالى فإن حقوق العباد لا تغفر بالإيمان (وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) معد للكفرة واختلف* فى أن لهم أجرا غير هذا أولا والأظهر أنهم فى حكم بنى آدم ثوابا وعقابا وقوله تعالى (وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ) إيجاب للإجابة بطريق الترهيب إثر إيجابها بطريق الترغيب وتحقيق لكونهم منذرين وإظهار داعى الله من غير اكتفاء بأحد الضميرين للمبالغة فى الإيجاب بزيادة التقرير وتربية المهابة وإدخال الروعة وتقييد الإعجاز بكونه فى الأرض لتوسيع الدائرة أى فليس بمعجز له تعالى بالهرب وإن هرب كل مهرب من أقطارها أو دخل فى أعماقها وقوله تعالى (وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ) بيان لاستحالة نجاته بواسطة الغير إثر بيان استحالة نجاته بنفسه وجمع الأولياء باعتبار معنى من فيكون من باب مقابلة الجمع بالجمع لانقسام الآحاد إلى الآحاد كما أن الجمع فى قوله تعالى (أُولئِكَ) * بذلك الاعتبار أى أولئك الموصوفون بعدم إجابة داعى الله (فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أى ظاهر كونه ضلالا* بحيث لا يخفى على أحد أعرضوا عن إجابة من هذا شأنه (أَوَلَمْ يَرَوْا) الهمزة للإنكار والواو للعطف على مقدر يستدعيه المقام والرؤية قلبية أى ألم يتفكروا ولم يعلموا علما جازما متاخما للمشاهدة والعيان (أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) ابتداء من غير مثال يجتذيه ولا قانون ينتحيه (وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ) أى لم يتعب ولم ينصب بذلك أصلا أو لم يعجز عنه يقال عييت بالأمر إذا لم يعرف وجهه* وقوله تعالى (بِقادِرٍ) فى حيز الرفع لأنه خبر إن كما ينبىء عنه القراءة بغير باء ووجه دخولها فى القراءة* الأولى اشتمال النفى الوارد فى صدر الآية على أن وما فى حيزها كأنه قيل أو ليس الله بقادر (عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) ولذلك أجيب عنه بقوله تعالى (بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) تقريرا للقدرة على وجه عام* يكون كالبرهان على المقصود.