إلى أن قال : (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ) (١) فجعل القرآن والوحي به كالروح ، لأنه يؤدي إلى حياة الأبد ، ولأنه لا فائدة للجسد بدون الروح. فجعل هذا الروح سببا للإنذار ، وعلما عليه ، وطريقا إليه ، ولو لا أن ذلك برهان بنفسه ، لم يصح أن يقع به الإنذار والإخبار عما يقع عند مخالفته ، ولم يكن الخبر عن الواقع في الآخرة عند ردّهم دلالته من الوعيد حجة ، ولا معلوما صدقه ، فكان لا يلزمهم قبوله.
فلما خلص من الآيات في ذكر الوعيد على ترك القبول ، ضرب لهم المثل بمن خالف الآيات ، وجحد الدلالات والمعجزات ، فقال : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ ، فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ ، وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ) (٢).
ثم بين أن عاقبتهم صارت إلى السوأى ، بأن رسلهم كانت تأتيهم بالبينات وكانوا لا يقبلونها منهم. فعلم أن ما قدم ذكره في السورة بينه رسول الله صلىاللهعليهوسلم. ثم ذكر قصة موسى ويوسف عليهماالسلام ، ومجيئهما بالبينات ، ومخالفتهم حكمها ، إلى أن قال : (الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا ، كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) (٣). فأخبر أن جدالهم في هذه الآيات لا يقع بحجة ، وإنما يقع عن جهل. وأن الله يطبع على قلوبهم ، ويصرفهم عن تفهم وجه البرهان لجحودهم ، وعنادهم ، واستكبارهم.
ثم ذكر كثيرا من الاحتجاج على التوحيد. ثم قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ) (٤) ثم بين هذه الجملة ، وأن من آياته الكتاب فقال : (الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (٥) إلى أن قال : (وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) (٦) فدل على أن الآيات على ضربين : أحدهما كالمعجزات التي هي أدلة في دار التكليف ، والثاني الآيات التي ينقطع عندها العذر ، ويقع عندها العلم الضروري ، وأنها إذا جاءت ، ارتفع التكليف ووجب الإهلاك. إلى أن قال : (فَلَمْ يَكُ
__________________
(١) آية (١٥) سورة غافر.
(٢) آية (٢١) سورة غافر.
(٣) آية (٣٥) سورة غافر.
(٤) آية (٦٩) سورة غافر.
(٥) آية (٧٠) سورة غافر.
(٦) آية (٣٨) سورة الرعد.