النقل معجزا. كذلك لا يصير معجزا بأن يعلم العربي الذي ليس ببليغ أنهم قد عجزوا عنه بأبلغهم ، بل هو معجز في نفسه. وإنما طريق معرفة هذا وقوعهم على العلم بعجزهم عنه.
قدر المعجز من القرآن
الذي ذهب إليه عامة أصحابنا ، وهو قول أبي الحسن الأشعري في كتبه ، أن أقل ما يعجز عنه من القرآن السورة قصيرة كانت أو طويلة ، أو ما كان بقدرها. قال : فإذا كانت الآية بقدر حروف سورة ، وإن كانت سورة الكوثر فذلك معجز.
قال : ولم يقم دليل على عجزهم عن المعارضة في أقل من هذا القدر. وذهبت المعتزلة إلى أن كل سورة برأسها فهي معجزة. وقد حكى عنهم نحو قولنا ، إلا أن منهم من لم يشترط كون الآية بقدر السورة بل شرط الآيات الكثيرة. وقد علمنا أنه تحداهم تحديا إلى السور كلها ، ولم يخصّ. ولم يأتوا الشيء منها بمثل. فعلم أن جميع ذلك معجز.
وأما قوله عزوجل : (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ) (١) فليس بمخالف لهذا. لأن الحديث التام لا تتحصل حكايته في أقل من كلمات سورة قصيرة. وهذا يؤكد ما ذهب إليه أصحابنا ، ويؤيده. وإن كان قد يتأول قوله : (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ) (٢) على أن يكون راجعا إلى القبيل دون التفصيل.
وكذلك يحمل قوله تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) (٣) على القبيل. لأنه لم يجعل الحجة عليهم عجزهم عن الإتيان بجميعه من أوله إلى آخره.
فإن قيل : هل تعرفون إعجاز السور القصار ، بما تعرفون به إعجاز السور الطوال؟ وهل تعرفون إعجاز كل قدر من القرآن بلغ الحد الذي قدرتموه بمثل ما تعرفوه إعجاز سورة البقرة ونحوها؟
فالجواب : أن أبا الحسن (٤) الأشعري ـ رحمهالله ـ أجاب عن ذلك : بأن كل سورة قد علم كونها معجزة بعجز العرب عنها. وسمعت بعض الكبراء من أهل هذا الشأن يقول : إنّ ذلك يصح أن يكون علم ذلك توقيفا.
__________________
(١) آية (٣٤) سورة الطور.
(٢) سبقت.
(٣) آية (٨٨) سورة الإسراء.
(٤) سبقت ترجمته.