النَّذِيرُ) (١) وبظهور العجز عنه بعد طول التقريع والتحدي ، بان أنّه خارج عن عادتهم ، وأنهم لا يقدرون عليه.
وقد ذكرنا أن العرب كانت تعرف ما يباين عاداتها من الكلام البليغ ، لأن ذلك طبعهم ولغتهم ، فلم يحتاجوا إلى تجربة عند سماع القرآن. وهذا في البلغاء منهم دون المتأخرين في الصنعة.
والذي ذكرناه بذلك على أنه لا كلام أزيد في قدر البلاغة من القرآن. وكل من جوز أن يكون للبشر قدرة على أن يأتوا بمثله في البلاغة لم يمكنه أن يعرف أن القرآن معجز بحال.
ولو لم يكن جرى في المعلوم أنه سيجعل القرآن معجزا ، لكان يجوز أن تجري عادات البشر بقدر زائد على ما ألفوه من البلاغة ، وأمر يفوق ما عرفوه من الفصاحة.
وأما «نظم القرآن» فقد قال أصحابنا فيه : إن الله تعالى يقدر على نظم القرآن في الرتبة التي لا مزيد عليها ، فقد قال مخالفونا : إن هذا غير ممتنع لأن فيه من الكلمات الشريفة الجامعة للمعاني البديعة ، وانضاف إلى ذلك حسن الموقع ، فيجب أن يكون قد بلغ النهاية لأنه عندهم ، وإن زاد على ما في العادة ، فإن الزائد عليها وإن تفاوت ، فلا بد من أن ينتهي إلى حد لا مزيد عليه. والذي نقوله إنه لا يمتنع أن يقال : يقدر الله تعالى على أن يأتي بنظم أبلغ وأبدع من القرآن كله.
وأما قدرة العباد فهي متناهية في كل ما يقدرون عليه مما تصح قدرتهم عليه.
__________________
(١) آية (٤٥) سورة فاطر.