كَثِيراً) (١) على حسب ما آتى من الفضل ، وأعطى من الكمال والعقل ، تقع الهداية والتبيين. فإن الأمور تتم بأسبابها ، وتحصل بآلتها ، ومن سلبه التوفيق وحرمه الإرشاد والتسديد فكأنما : (خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ) (٢) لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فاحمد الله على ما رزقك من الفهم إن فهمت. وقل : (رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) (٣) وقل : (رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ) (٤) وإن ارتبت فيما بيناه فازدد في تعلم الصنعة ، وتقدم في المعرفة الأرشد ، ويقف بك على الوجه الأحمد. فإنك إذا فعلت ذلك أحطت علما ، وتيقنت فهما.
ولا يوسوس إليك الشيطان بأنه قد كان من هو أعلم منك بالعربية ، وأرجح منك في الفصاحة أقوام وأقوام ، ورجال ورجال ، فكذبوا وارتابوا لأن القوم لم يذهبوا عن الإعجاز. ولكن اختلفت أحوالهم ، فكانوا بين جاهل وجاحد. وبين كافر نعمة وحاسد ، وبين ذاهب عن طريق الاستدلال بالمعجزات ، وحائد عن النظر في الدلالات ، وناقص في باب البحث ، ومختل الآلة في وجه الفحص ، ومستهين بأمر الأديان ، وغاو تحت حبالة الشيطان ، ومقذوف بخذلان الرحمن. وأسباب الخذلان والجهالة كثيرة ، ودرجات الحرمان مختلفة.
وهلا جعلت بإزاء الكفرة مثل : «لبيد (٥) بن ربيعة العامري» في حسن إسلامه ، و «كعب (٦) بن زهير» في صدق إيمانه ، و «حسان (٧) بن ثابت» وغيرهم من الشعراء والخطباء الذين أسلموا؟
على أن الصدر الأول ما فيهم إلا نجم زاهر ، أو بحر زاخر. وقد بينا أن لا اعتصام إلا بهداية الله ، ولا توفيق إلا بنعمة الله ، (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) (٨) ، فتأمّل ما عرّفناك في كتابنا ، وفرغ له قلبك ، واجمع له لبك ، ثم اعتصم بالله يهدك ، وتوكل عليه يغنك ويجرك ، واسترشده يرشدك ، وهو حسبي وحسبك ونعم الوكيل.
__________________
(١) آية (٢٦) سورة البقرة.
(٢) آية (٣١) سورة الحج.
(٣) آية (١١٤) سورة طه.
(٤) آية (٩٧) سورة المؤمنون.
(٥) سبقت ترجمته.
(٦) كعب بن زهير ، كان من المخضرمين ، وكان هجا الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ثم أسلم ومدحه. مات سنة (٢٤ ه). له ترجمة في : الأغاني ١٥ / ١٤٧. والجمهرة (١٤٨) ، والشعر والشعراء (٥٨ ، ٦٧).
(٧) سبقت ترجمته.
(٨) آية (٤) سورة الجمعة.