والشيء القليل العجيب. وكما يلحق بكلامه بالوحشيات ، ويضاف من قوله إلى الأوابد ؛ لأن ما جرى هذا المجرى ، ووقع هذا الموقع ، فإنما يتفق للشاعر في لمع من شعره ، وللكاتب في قليل من رسائله ، وللخطيب في يسير من خطبه ، ولو كان كل شعره نادرا ومثلا سائرا ، ومعنى بديعا ، ولفظا رشيقا ، وكل كلامه مملوءا من رونقه ، ومائه ومملأ ببهجته وحسن روائه ، ولم يقع فيه المتوسط بين الكلامين ، والمتردد بين الطرفين ، ولا البارد المستثقل ، والغث المستنكر ، لم يبن الإعجاز في الكلام ، ولم يبن التفاوت العجيب بين النظام والنظام.
وهذه جملة تحتاج إلى تفصيل ، ومبهم قد يحتاج في بعض إلى تفسير ، وسنذكر ذلك بمشيئة الله وعونه ، ولكن قد يمكن أن يقال في البديع الذي حكيناه ، وأضفناه إليهم ، أن ذلك باب من أبواب البراعة ، وجنس من أجناس البلاغة ، وأنه لا ينفك القرآن عن فن من فنون بلاغاتهم ، ولا وجه من وجوه فصاحاتهم. وإذا أورد هذا المورد ، ووضع هذا الموضع ، كان جديرا.
وإنما لم نطلق القول إطلاقا ، لأنّا لا نجعل الإعجاز متعلقا بهذه الوجوه الخاصة ، ووقفا عليها. ومضافا إليها ، وإن صح أن تكون هذه الوجوه مؤثرة في الجملة ، آخذة بخطها من الحسن والبهجة متى وقعت في الكلام على غير وجه التكلف المستبشع ، والتعمل المستبشع.