فكلمهم وكلموه ودعاهم إلى الله وحذرهم نقمته ، فقالوا : ما تخوّفنا يا محمّد ، نحن والله أبناء الله وأحباؤه ، كقول النصارى ، فأنزل الله فيهم : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (١).
* * *
زعم اليهود والنصارى أنهم أحباء الله
يزعم اليهود والنّصارى أنّهم أولياء الله وأحباؤه ، وأنّهم شعب الله المختار ، وأنّهم أقرب النّاس إليه من دون غيرهم ، وأنّ الآخرة لهم وحدهم.
ويثير القرآن هذه النقطة المتأصّلة في تفكيرهم ، واضعا إياها على طاولة النقاش الهادىء ، فيطالبهم ، أولا ، بالبرهان على صدق دعواهم هذه ، ويؤكد ثانيا ، على المقياس الّذي جعله الله أساسا للقرب والبعد عنه ، وبالتالي لغضبه ورضاه ، وذلك بالعمل بأوامره وترك نواهيه ، من دون فرق بين اليهود والنّصارى وغيرهم ، فليس لله أيّة علاقة خاصة بأيّ أحد من خلقه ، بل النّاس كلهم عبيد له لا يفضّل إنسانا على إنسان إلّا بالتقوى والعمل الصالح ، مهما كانت درجته أو كان نسبه.
وقد جاءت هذه الآية لتشجب فكرتهم من خلال التساؤل عن السبب في عذاب الله لهم بما اقترفوه من ذنوب إذا كانوا من أحبائه وأوليائه ، إذ إنّ الله لا يعذّب من كانت له هذه الدرجة عنده. ثمّ يطرح الفكرة الحاسمة الّتي تجعل النّاس سواسية أمامه في الطاعة والمعصية ، وفي العقاب والثواب ، فله السلطة المطلقة في المغفرة لمن يشاء ، والعذاب لمن يريد ، من دون أن يعطي امتيازا
__________________
(١) الدر المنثور ، ج : ٣ ، ص : ٤٤.