ويعصمون أوامره ونواهيه ، ويقتلون الأنبياء بغير حقَّ ، أيّا كان الانتماء الاسميّ لأمثال هؤلاء ، كما قال تعالى في آية أخرى : (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) [النساء : ١٢٣]. وهذا هو الخط الإلهي في علاقته بعباده ، فلا قرابة بينه وبين أحد منهم ، إذ لا تنال الكرامة عنده إلّا بالتقوى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) [الحجرات : ١٣]. ولا فرق في قضاء الله بالعذاب بين الدنيا والآخرة ، وقد عذّب الله بعض أهل الكتاب ـ وهم اليهود ـ بمختلف ألوان العذاب في أكثر من مرحلة من مراحل تاريخهم ، فقد ضربت عليهم الذلة والمسكنة ، وخضعوا لأكثر من سلطة ظالمة ، وقاموا بقتل أنفسهم وتخريب بلادهم بأيديهم ، وهكذا عاش النّصارى في أكثر من مشكلة داخليّة أو خارجيّة من البلاء المتنوّع في حياتهم العامّة والخاصة.
وإذا كان مثل هذا البلاء أمرا طبيعيّا ناشئا من التعقيدات المتجسدة في الواقع الّذي عاشوه ، ومن الظروف الموضوعيّة المحيطة بهم ، فإنّ العذاب الدنيوي لا ينفصل عن أسبابه الطبيعيّة ، لأنّ الله ينزل عذابه ليذيقهم بعض الّذي عملوه بحسب السّنة الإلهيّة ، في علاقة المسببات بأسبابها ، الأمر الّذي يجعل من البلاء في بعض الحياة عذابا إلهيّا من خلال ما يقدره الله من ذلك ، عند ما يترك للأسباب أن تنفتح على مسبباتها من دون أن يتدخل ـ بشكل غير عادي ـ لرفع ذلك عنهم بما يرحم به بعض عباده في أسباب غير عاديّة.
وهكذا تتأكد الآية من خلال إقرارهم بأنّهم معرّضون لعذاب الله ، كما ينقل عن اليهود بأنّهم يعذبون أربعين يوما عدد الأيام الّتي عبدوا فيها العجل.
وعلى ضوء ذلك ، فإنّ الحجّة الإلهيّة تردّ عليهم بأنّ دعواهم لو كانت صادقة ، فكيف يؤاخذهم الله بما يؤاخذ به بقيّة النّاس في العذاب الّذي ينزل