أرسله إليهم واصطفاه برسالته ، ليحرّرهم من العبوديّة المتعمّقة في داخلهم من جرّاء استضعاف فرعون لهم ، وذلك عبر قيم الحريّة المتمثّلة في توحيد الله ، والكفر بكل الطغاة والجبابرة من آلهة البشر ، والشعور بالمعنى الإنساني الحرّ لوجودهم.
وانطلق معهم نبيّهم موسى عليهالسلام بأسلوب الرسالة الّذي يخاطب فيهم إنسانيتهم ، ليوحي إليهم بحسّ الكرامة في ذاتهم ، ويعلمهم أنّ العقيدة والالتزام والطّاعة كلّها لا تمثّل تعليمات يصدرها الكبار إليهم كما تعوّدوا في عهد عبوديتهم لفرعون ، بل هي فكرة وإرادة ومعاناة ، وحركة داخليّة تنطلق في رحاب الكون ، ليتحول جهدها كله إلى فعل إيمان. ولذلك كان يدعوهم إلى التأمّل والتفكّر والتذكّر والقراءة والحوار.
وهو قد خاض معهم الحوار في كل ما يطرأ عليهم من مشاكل ، ليعلّمهم كيف يفكرون ، وكيف يشاركونه الفكر ، ولكنّهم كانوا يبتعدون عنه ، كلما اقترب إليهم ، وبدأوا يتمرّدون عليه في أكثر من موقف ، وذلك بسبب ما اعتادوا عليه من عبوديّة ، فكانوا ينتظرون منه عليهالسلام أن يعاملهم كما عاملهم فرعون ، فيستضعفهم ويستعبدهم من خلال حكمه ، كي يشعروا بالاستقرار ، وكانوا يعتبرون أنّ معنى خلاصهم من فرعون ، هو أن يعيشوا حالة استرخاء ودعة وطمأنينة بعيدا عن كل أجواء الصراع ومشاكله ، فلم يكونوا مستعدين للقتال ، بل كانوا يتحفزون للهرب عند أول دعوة للمعركة ، ولكنّ شخصيّة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم لا تلتقي بشخصيّة فرعون من قريب أو من بعيد ، فإنّ هناك فرقا بين من يريد النّاس لنفسه ، وبين من يريدهم لله ولأنفسهم من موقع صلاحهم ، ولهذا لم يستطع موسى عليهالسلام النّجاح معهم ، ولم يكن من خطّته أن يحقق النّجاح على هذا المستوى ، لأنّه كان يعمل على تغيير مفاهيمهم وروحيتهم وطريقتهم في التفكير والعمل. ولذلك كانت الموعظة الهادئة والانسجام مع مطاليبهم والعفو عن خطاياهم معه هو السبيل إلى الوصول إلى بعض هذا