الهدف الّذي استطاع أن يعطي الساحة بعض النماذج الّتي ارتفعت إلى مستوى الرسالة فعاشت مع موسى آفاقه وأحلامه ...
وتمثّل هذه الآيات أحد نماذج أسلوب موسى معهم في الحوار ، وأسلوبهم في الهزيمة النفسيّة والتمرّد عليه. (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) [المائدة : ٢٠] فهو دعاهم إلى فترة من التأمّل ، ليستعيدوا فيها تاريخهم المظلم الغارق بالعبوديّة والظلام ، وليقارنوا بينه وبين تاريخهم الجديد الّذي منحهم الله فيه الحريّة على يد رسوله بالمعجزات الخارقة ، وجعل منهم أنبياء فأكرمهم برسالته وصيّرهم ملوكا ، ورزقهم من النعم ما لم يؤته لأحد من العالمين الّذين عاصروهم. وقد كانت هذه الدعوى منه كي يواجهوا الحاضر والمستقبل من هذا الموقع ، ليرتفعوا إلى المستوى الّذي أراد الله أن يرفعهم إليه ، فيتحملوا مسئوليّة الرسالة معه ، ويعلموا على التحرك من أجل التغيير بقيادته.
(يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) وكانت القافلة تسير إلى بيت المقدس ، ولاحت لهم الأرض المقدسة من بعيد ، فهي الهدف الّذي عاشوا له من خلال موسى ، فطلب منهم أن يدخلوها ليستقروا وليعيشوا الحكم العادل على أساس النبوّة ، ولكنّهم رفضوا ذلك العرض ، لأنّ الدخول إليها سوف يكلفهم صراعا وقتالا وتضحيات لا يريدونها ، (قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ) ، فقد كان يحكمها قوم جبّارون ، ولم يكونوا على استعداد للدخول في صراع معهم. ولذلك كان ردّ الفعل لطلب موسى أن قالوا له : إنّ دخولهم معلّق على خروج الجبابرة بهدوء واستسلام ، حتّى إذا خرجوا من دون أن يكلفهم ذلك نقطة دم ، كان الدخول معقولا. وكان هناك رجلان لا ثالث لهما من الّذين يخافون الله ، أنعم الله عليهما بنعمة الإيمان ، وعرفنا ـ من خلال ذلك ـ معنى المسؤوليّة في مواطن التحدّيات ،