مملوكين من فرعون وزبانيته يتصرف فيهم كيفما شاء ، ومتى شاء .. وبذلك باتوا في مقابل الحالة السابقة الّتي كانوا فيها مملوكين. والّذي يجعل هذا المعنى محتملا ، بل وراجحا ، هو عدم المانعية من إطلاق كلمة الملك على من يملك نفسه وظروفه وحركته ومصيره .. لا سيما أنّها في اللغة قد تطلق على السلطان ، وقد تطلق على المالك لزمام الأمور ، أو المالك لشيء خاص.
وقد جاء في تفسير الدر المنثور عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال : «كانت بنو إسرائيل إذا كان لأحدهم خادم ودابة وامرأة كتب ملكا» (١).
وفيه : أخرج أبو داود في مراسيله عن زيد بن أسلم في قوله : (وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً) ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : زوجة ومسكن وخادم (٢).
إلّا أنّ هذا التفسير لا ينسجم وسياق الآية ، ذلك أنّ الآية واردة في مقام الامتنان على بني إسرائيل ، والامتنان يفيد التخصيص دون الاشتراك ، ولما كان اتخاذ المنازل والنساء والخدم عادة لا تخلو منها أمة من الأمم كما يفيد التاريخ ، لم يعد هذا الأمر أمرا يخص بني إسرائيل حتّى يكون من موارد امتنان الله تعالى عليهم. هذا في جانب ، وفي جانب آخر ، فإنّ إطلاق «الجعل» يتنافى وواقع حال بني إسرائيل أنفسهم ، إذ من البديهي أنّهم لم يكونوا كلهم ذوي منازل ونساء وخدم ، وإنّما كان بعضهم على هذا الوصف دون البعض الآخر.
ولعل التنبه إلى ما تقدم أوجب ورود بعض الرّوايات الّتي تنسب إلى بني إسرائيل أنّهم أول من ملك الخدم ، كما ورد عن قتادة ، وهذا ما يتنافى والتاريخ.
لكن إذا ما كانت هذه الأحاديث ناظرة إلى واقع حال بني إسرائيل الجديد ـ بعيدا عن تفسيرا الآية ـ ثمّ حملت عليها ، عندها تكون في سياق تبيان
__________________
(١) الدرّ المنثور ، ج : ٣ ، ص : ٤٦.
(٢) م. ن. ، ج : ٣ ، ص : ٤٧.