ويبدو أنّ قوم موسى كانوا يعيشون الإحساس بالقوّة القاهرة لهؤلاء مما يجعلهم يرتجفون رعبا من التفكير بأنّهم سوف يواجهونهم في ساحة الحرب. وربّما كانوا يحملون بعض الإشاعات الأسطوريّة عنهم مما اعتاد النّاس أن يتحدثوا به عن أرباب القوّة بطريقة المبالغة ، ولهذا كان موقفهم حاسما في رفض الدخول إلى الأرض المقدسة الّتي يسيطر هؤلاء عليها ، من دون التفكير بما يملكونه ـ هم ـ من عناصر القوّة في مقابل ما يعيش فيه العمالقة من عناصر الضعف ، لا سيّما أنّ هؤلاء قد لا يملكون حريّة الحركة في داخل المدينة كنتيجة للتعقيدات الّتي تفرضها ضخامة أجسامهم ، كما أنّ الهجوم المفاجئ قد يهزمهم من ناحية نفسيّة. وتلك هي مشكلة الّذين لا يعيشون الإيمان الواعي بالله والثّقة برسله ، هذا الإيمان الّذي من شأنه أن يوحي بالثّقة بالنفس بما يفرضه من امتلاء العقل والقلب والحركة بالله وتفريغ الذات من الإحساس بقوّة الآخرين ، ولهذا رأينا الرجلين اللذين يخافان الله ، واللّذين أنعم الله عليهما بنعمة الإيمان القوي ، يشجعان تلك الجماعات على الهجوم المباغت متوكلين على الله ، ومنفتحين على عناصر النصر ، من خلال الإيمان به ، وبرسله ، وبنصره ، وأن يكون لديهم ، بالتالي ، ثقة كبيرة بالغلبة عليهم ، لأنّ المسألة هي في امتلاكهم لإرادة النصر والإيمان كي ينصرهم الله تعالى على الآخرين ـ ولو بعد حين ـ.
٤ ـ لقد ورد في سياق قصّة موسى وقومه قوله : (الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) حيث يبرز أمامنا سؤال عن المقصود بكلمة (كَتَبَ) فهل المراد بها القضاء بتوطينهم فيها ، أم أنّ المراد بها تمليكها لهم على نحو ما ينادي اليهود الآن بأنّ الأرض المقدسة هي ملك «إسرائيل» باعتبارها وعدا إلهيا؟
إنّ جلّ ما يمكن لنا استيحاؤه من ظاهر قوله تعالى : (كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) أنّ