المراد بالكتابة هنا أنّ الله قد وعد بني إسرائيل بعد خلاصهم من فرعون أن يسكنهم أرضا يستطيعون الحياة فيها بكرامة على أساس من الإيمان والطاعة لله ورسله ، ولهذا فإنّ العرض الّذي قدمه موسى عليهالسلام إليهم هو أن يدخلوها ويجاهدوا القوم الجبابرة الكفرة الموجودين فيها بصفة الحكّام ، من موقع إقامة حكم الله في الأرض على أيدي المستضعفين في مواجهة الجبارين. وليس في الآيات ما يدل من قريب أو من بعيد على حقّ قانونيّ إلهيّ لهم في هذه الأرض ، وبذلك يكون معنى الكتابة التقدير بأن يدخلوها ويسكنوها ويعبدوا الله فيها من خلال ما تمثّله من معاني القداسة المتصلة بالأجواء العباديّة الروحيّة. وربّما يتساءل البعض عن الجمع بين إرادة الله لهم باستيطانهم الأرض المقدسة وتحريمها عليهم أربعين سنة.
والجواب : إنّ الحديث ـ في الآية ـ لم يحدد وقتا ولا جماعة معينين ، بل كان الحديث عن الأمة وعن المستقبل من حيث المبدأ وذلك باعتبارها المنطقة الّتي أراد الله لهم الاستقرار فيها بعد خروجهم من مصر وانتهاء فترة التيه الّتي كانت عقوبة لهم. والله العالم.
٥ ـ نستوحي من هذه الآيات فكرة تربية الأمة على أساس ينسجم مع الآفاق والأفكار الّتي تحملها القيادة أو تعيشها ، وصولا إلى تحقيق الأهداف والغايات الكبيرة. فقد كانت مشكلة النبيّ موسى عليهالسلام أنّه يقود أمّة لا تؤمن بأفكاره ، ولا ترتفع إلى مستوى أهدافه ، بل كانوا يفكرون بالأمن والاسترخاء والراحة ، ولو على حساب مبادئهم ، بينما كان موسى يفكر بالحياة في حجم الرسالة ، وهذا هو ما تعانيه الشعوب الإسلاميّة بفعل تزوير أفكارها وتصوراتها للواقع ، وتربيتها على أساس الارتباط بحاجاتها اليوميّة واعتبارها الهمّ الكبير لها ، وابتعادها عن كل القيم الروحيّة الكبيرة الّتي تحتضن كل مصالحها الحقيقيّة المستقبليّة كأمة تعيش مرفوعة الرأس بين الأمم ، وبذلك تحوّلت إلى شعوب مستعمرة للكافرين والمستعمرين والظالمين من كل الأمم ، في أجواء