وفي الرّواية عن الإمام جعفر الصادق عليهالسلام «ثلاث لم يجعل الله عزوجل لأحد فيهنّ رخصة : أداء الأمانة إلى البر والفاجر ، والوفاء بالعهد للبر والفاجر ، وبر الوالدين برّين كانا أو فاجرين (١).
وهذا من شأنه أن يركز العلاقات التعاقدية والتعاهديّة بين الناس على قاعدة العدل الاجتماعي ، بدلا من معادلة موازين القوّة والضعف ، بحيث يلتزم الإنسان بعقده وعهده إذا كان ضعيفا لا يملك التمرد على الطرف الآخر من العقد والعهد ، ولا يلتزم إذا كان يملك قوّة المركز الاجتماعي والموقع السياسي والسلطة المالية. فالله سبحانه وتعالى يريد إخضاع مسألة العقود للإيمان والتقوى امتثالا لأمره بالوفاء ، كما في هذه الآية ، وبذلك يصبح العقد لا يقوم بطرفين فحسب هما العاقد والمعقود له ، بل بثلاثة أطراف هما العاقد والمعقود له والله سبحانه وتعالى ، باعتباره الطرف الممتثل لأمره من جهة ، والمتحضر كشاهد ورقيب من جهة أخرى ، مما يقوي أمر الوفاء ، لأنّ المسؤوليّة مزدوجة : فمن جهة أمام المعقود له ، ومن جهة ثانية أمام الله تعالى. وما يصح في العقود ، يصح أيضا مع العهود لجهة حفظها ومراعاتها كما في قوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) [الإسراء : ٣٤]. وقد بلغ من درجة حضّ الله تعالى على حفظ العهود أنّه استثنى المعاهدين من المشركين من إعلان الحرب عليهم ما داموا ملتزمين بعهدهم ، كما في قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) [التوبة : ٤]. وذلك بالرغم من أنّ المسلمين كانوا ـ في ذلك الوقت ـ في موقع القوّة ، بينما كان المشركون في موقع الضعف. من هنا يظهر لنا أنّه لا فرق بين المؤمن والكافر في الوفاء بالعهد ، كما لا فرق في الوفاء بالعقد وضرورة الالتزام به في الخط الأخلاقي
__________________
(١) م. س. ج ، ٧١ ، ص : ٣٩ ، باب : ٢ ، رواية : ١٥