النصارى يتنكرون للميثاق
لا شيء جديد في فكرة الميثاق الّتي تتحدث عنها الآية بخصوص النصارى غير ما ذكره الله في ميثاق بني إسرائيل ، ولذا لم يتحدث عنه في هذه الآية. فقد جاءتهم الآيات الّتي تذكرهم بالله ، وتقودهم إلى السير على الخط المستقيم ، حيث اللقاء الروحي يسمو بالإنسان إلى الوحدة المنطلقة من توحيد الله ذاتا وشريعة ومقصدا ، وبالتالي مصيرا ، ولكنَّهم نسوا ذلك كله ، وانحرفوا عن الخط واتبعوا أهواءهم ، فانطلق كل واحد منهم إلى جهة ، وتنافسوا على حطام الدنيا ، مما سعّر نار العداوة والبغضاء الّتي تستمر إلى يوم القيامة ، بفعل استمرار الدوافع والنوازع والمطامع الّتي تفرق بينهم ، والّتي تثير الرواسب الكامنة في صدورهم ، لأنَّ الشعلة الإلهية المقدسة إذا انطفأت في نفس الإنسان وروحه ، أفسحت المجال لأفكار الظلام والشرّ والحقد بالسيطرة على كيانه وحياته ، فيتحول إلى وحش مفترس يعيش الجوع والعطش للدماء وللحوم الإنسانيّة الحيّة ، فيقوده ذلك إلى تلمّس كل الإمكانات والمواقع الّتي تثير الحقد والخصومة والنزاع.
وهكذا كان الأمر بالنسبة إلى النصارى في تاريخهم الطويل ، في صراعاتهم المذهبية ، ويستمر ذلك في تاريخهم الحاضر والمستقبل في صراعاتهم السياسية. أمَّا نسبة الإغراء بالعداوة والبغضاء إلى الله ، فهو جار على ما ذكرناه أكثر من مرة ، على هدي الأسلوب القرآني الَّذي ينسب كل شيء إلى الله ، لأنَّه مسبّب الأسباب ، ومصدر كل شيء ، لا على أساس المباشرة ، كما قد يتبادر إلى الفهم البسيط ، وهكذا ينطلق القرآن ، في ختام الآية ، ليثير أمامهم الإحساس بالمسؤوليّة في كل ذلك التاريخ الَّذي يبدأ من نقطة الانحراف ، وينتهي بالعداوة والبغضاء ليقف أمام الله يوم القيامة ، ليستقبلوا