يهتدي به الخلق كما يهتدون بالنور (١) ، وذلك لأنَّنا في الوقت الَّذي نرى فيه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم نورا هاديا من خلال ذاته النورانيّة الّتي لا ظلمة فيها لأنّها الحق كله ، فلا مجال فيها لأي باطل في الفكر ، والقول والعمل ، إلّا أنّنا لا نجد أية كلمة وردت في القرآن بهذا المعنى ، بل إنّها وردت بمعنى القرآن كما في قوله تعالى : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [التغابن : ٨] ، وغيرها من الآيات ، وعلى ضوء ذلك جاء الحديث عن القرآن بصفته النورانيّة تارة ، وبصفته الكتابيّة الموضحة ثانية كما في قوله : (وَكِتابٌ مُبِينٌ). والله العالم.
(يَهْدِي بِهِ) أي بالقرآن ، (مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ) في حركة الإيمان في وجدانه الفكريّ ، وفي التزامه العمليّ ، وفي انفتاحه على الحياة من خلاله ، بحيث يكون دوره في الانتماء القرآني دور الاتباع الّذي يمثّل الخط الحركي الّذي يفتح الإنسان أكثر من خط على الطريق المستقيم ، (سُبُلَ السَّلامِ) لأنّ الوحي الإلهي يُمثّل الدعوة إلى السلام كله في سلام الإنسان مع ربّه ونفسه ، ومع الإنسان الآخر ومع الحياة في مفردات الشريعة ومفاهيم العقيدة ومناهج العمل ، فلا يعيش الإنسان حالة القلق النفسي والتمزق الروحي والحرب الداخليّة والخارجيّة .. وهكذا ينطلق المتّبع لرضوان الله ـ بواسطة الوحي القرآني ـ ليصنع السلام لنفسه في الدنيا والآخرة في جسده وروحه ، وللإنسان كله ، وللحياة كلها ، لأنّ الإسلام يفرض عليه ذلك ، وهذا ما توحي به تحية الإسلام الّتي يوجهها كل مسلم إلى الآخرين «السلام عليكم» حتّى في داخل الجنّة ، وما يتمثّل في الاسم الّذي جعله الله لها «دار السلام». (وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ) وعلمه وإرادته ، لأنّ كل ما يتعلّق بأحوال الإنسان خاضع لقدرته ، فيبتعدون عن ظلمة الجهل إلى نور العلم ، وعن ظلمة
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ٣ ، ص : ٢١٩.