قبله ، (يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ) الّذي احتفظتم به ولم تطرحوه للنّاس ليقرأوه ويتعرفوا إليه ، فلم يعرف النّاس ما فيه إلّا من خلالكم ، فأخفيتم بعض حقائقه مما لا يتناسب مع أوضاعكم ومصالحكم وتأثير المتغيرات الفكريّة والعمليّة عليكم ، فقد كان الرسول مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل ، ولذلك فإنّكم تعرفونه ، كما تعرفون أبناءكم ، ولكنّكم أنكرتم رسالته ، وحاربتم دعوته ، وقد أنزل في الكتاب طهارة الأنبياء وتحريم الخمر والربا ، ولكنكم حللتم ذلك. وهذا ما أراد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بيانه لتتحرك رسالته في خط الوجدان الرسالي ، فيكون امتدادا لها في الأفكار الّتي طرحها والأحكام الّتي شرّعها ، فيعرف النّاس أنّه جاء (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ) [المائدة : ٤٦] ، فالله لا يريد لرسله ولمن جاء من بعدهم أن يحجبوا عن النّاس أيّة حقيقة صغيرة أو كبيرة ، لأنّ ذلك يسيء إلى سلامة التصوّر ونقاء الفكرة ، ولهذا كانت مهمة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يشرح حقائق الرسالات السابقة ويؤكدها ويضيف إليها ما أراد الله للإنسان أن يتجدد به من الأحكام الجديدة الّتي جاءت بها رسالة الإسلام من حيث إنّه كان المتمم للأخلاق في الشرائع السابقة.
(وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) مما لم يجد ضرورة لبيانه من بعض تفاصيل الأحكام. وقد جاء في تفسير هذه الفقرة : ويعفو عن كثير منكم فلا يؤاخذكم ، وهذا بعيد عن السياق.
(قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ) وهو القرآن الّذي يعني للنّاس الحقائق العقيديّة والشرعيّة والروحيّة والعمليّة والحياتيّة ـ في منهجها النظري والتطبيقي ـ فلا يبقي أيّة ظلمة في العقل ، أو ضباب في الرؤية أو غشاء على القلب أو غطاء على الحقيقة ، أو أيّ التباس في الواقع ، ليعيش النّاس إشراقة الحق بكل معاني الصفاء والنقاء ، وهذا المعنى ـ القرآن ـ هو المراد ـ على الظاهر ـ من كلمة النور ، لا ما ذكره قتادة واختاره الزجاج أنّه النبي محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم الّذي