لهم حياتهم من خلال مفاهيمه وتشريعاته ، وما يوحي به من وضوح الرؤية للوسائل والأهداف ، وبه يهدي الله من اتبع رضوانه سُبُل السلام في الروح والفكر والشعور والموقف .. فالإنسان إذا انفتح على الله انفتحت له مجالات واسعة من المعاني الروحيّة الفيّاضة ، وانطلقت معه الآفاق الرحبة الّتي يعيش معها الإحساس بالطاعة لله ، من موقع الشعور بعبوديته المطلقة له ، فيملأ نفسه بالرضى والطمأنينة بقدر الله وقضائه بعيدا عن أيّ قلق أو تردد أو اعتراض ، فيعيش السلام مع خالقه ، ويمتد في حياته ليشمل كل مسئولياته تجاه نفسه وعائلته والنّاس من حوله ، وذلك عند ما يتحرك إيمانه في آفاق رضى الله. وهذا ما عبّرت عنه الكلمة المأثورة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه»(١). وهكذا يتملّكه الشعور بمسؤوليته عن الحياة كلها من خلال خلافته عن الله في الأرض ، حتّى الحرب تتحول ـ في مفهومها الحقيقي ـ إلى عملية صنع للسلام من أجل القضاء على أعداء السلام وتجار الحرب ، وتنطلق الهداية الّتي يفيض بها الكتاب في إشراقة النّور من آياته ، إلى دفقات نور طاهرة ، تخرج العاملين في سبيل الله ، والسائرين على نهجه ، من ظلمات الجهل والخرافة والعبوديّة والحقد والعداوة .. ، إلى نور العلم والحقيقة والحريّة والمحبة والصداقة .. ، والانفتاح على الحياة والإنسان بكل آفاق الخير ، وذلك من خلال شرائع الله وتعاليمه الّتي تُمثّل رضاه في كل الميادين ، وتهديهم إلى صراط مستقيم لا ترى فيه أيّ انحراف واعوجاج ، بل هو الوضوح والاستقامة بكل آفاقه ومعانيه.
(يا أَهْلَ الْكِتابِ) من اليهود والنصارى ، (قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا) الّذي أرسلناه إلى النّاس كافة من أجل بيان الحقيقة الإيمانيّة لهم ـ بكل تفاصيلها ومفرداتها ـ ليكون لديهم وضوح الرؤية لكل ما أوحى به للرسل من
__________________
(١) البحار ، م : ١ ، ج : ١ ، ص : ٢٥٤ ، باب : ٤ ، رواية : ٧.